قال الإمام عبد الله بن المبارك: ((الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء))، وقال الإمام محمد بن أسلم الطوسي: ((قرب الإسناد قرب، أو قربة إلى الله تعالى)). وقد درج المحدثون على عقد مجالس التحديث التي كانت من أسباب حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن توفيق الله للشيخ عبد الله ابن عقيل أن اقتفى أثرهم واتبع سننهم، فعقد عدة مجالس لقراءة كتب الحديث، ذكّرت الخلف بسنن السلف، فكان مما قرء على شيخنا في هذه المجالس: مسند الإمام أحمد، وصحيحي البخاري ومسلم، وثلاثيات مسند الإمام أحمد، وغيرها.
وخُرِّجت لسماحته عدة أربعينات؛ فمنها: الأربعون في فضل المساجد وعمارتها، خرجها له محمد بن ناصر العجمي، والنوافح المسكية في الأربعين المكية، خرجها له الشيخ محمد زياد التكلة، والأربعون الحنبلية والثمانون، خرجهما له الشيخ صالح العصيمي، والأربعون في الحج وفي الصيام، خرجهما له الشيخ باسل الرشود، والأربعون في العلم، والأربعون في فضل التوحيد، وقد قرئت هذه الأجزاء على شيخنا بالرياض وبمكة وبجدة وبالكويت.
كما خُرِّج لسماحته؛ جزء: النجم البادي في عوالي مقروءات العلاّمة ابن عقيل على شيخه المحدّث علي أبو وادي. وهي المواضع التي قرأها شيخنا على شيخه علي أبي وادي، وقد تقدم ذكرها قريبا. خرّجها له: بلال بن محمود الجزائري، وقرء على شيخنا بمكة والرياض.
وخرج له: الأوائل العقيلية، خرّجها له: الشيخ بدر بن طامي العتيبي.
الفصل الرابع: وظائفه العملية، وآثاره العلمية، وتدريسه للطلاب:
أولا: وظائفه العملية:
اختير الشيخ عبد الله عام 1353هـ وهو في مطلع شبابه مع المشايخ الذين أمر الملك عبد العزيز بابتعاثهم قضاة ومرشدين في منطقة جيزان، فكان نصيب الشيخ عبد الله مع عمه الشيخ عبد الرحمن بن عقيل -قاضي جازان- أن عمل ملازمًا وكاتبًا، مع ما كان يقوم به من الإمامة، والخطابة، والحسبة، والوعظ، والتدريس.
وفي تلك الفترة وأثناء مكوثه في جازان خرج مع الهيئة التي قامت بتحديد الحدود بين المملكة واليمن، حيث ظلت تتجول بين الحدود والقبائل الحدودية بضعة أشهر من سنة 1355هـ.
وفي عام 1357هـ رجع الشيخ إلى وطنه عنيزة، ولازم شيخه ابن سعدي مرة أخرى بحضور دروسه ومحاضراته حتى عام 1358هـ، حيث جاءت برقية من الملك عبد العزيز لأمير عنيزة بتعيين الشيخ لرئاسة محكمة جازان خلفا لعمه عبد الرحمن، فاعتذر الشيخ عن ذلك؛ فلم يُقبل عذره، فاقترح على الشيخ عمر ابن سليم التوسط بنقل قاضي أبي عريش الشيخ محمد بن عبد الله التويجري من أبي عريش إلى جازان، ويكون هو في أبي عريش، فهي أصغر حجمًا وأخف عملاً، فراقت هذه الفكرة للشيخ عمر ابن سليم؛ فكتب للملك عبد العزيز، الذي أصدر أوامره بذلك. ومن ثَمَّ سافر الشيخ عبد الله إلى أبي عريش مباشرًا عمله الجديد في محكمتها مع القيام بالتدريس والوعظ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان ذلك في رمضان من سنة 1358هـ.
وفي سنة 1359هـ نقل الشيخ عبد الله إلى محكمة فرسان، لكنه لم يدم هناك طويلا، فما لبث أن أعيد إلى محكمة أبي عريش مرة أخرى ليمكث فيها قاضيا مدة خمس سنوات متتالية.
وفي رمضان سنة 1365هـ نقل الشيخ بأمر من الملك عبد العزيز إلى محكمة الخرج، وذلك باقتراح من الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ولم يدم مكوث الشيخ عبد الله في محكمة الخرج إلا قرابة السنة، حيث تم ترفيعه إلى المحكمة الكبرى في الرياض، وقد كان ذلك في شوال سنة 1366هـ.
ظل الشيخ قاضيا في الرياض حتى سنة 1370هـ، إلى أن أمر الملك عبد العزيز بنقله قاضيا لعنيزة مسقط رأسه، ومقر شيخه الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي، ولم يمنعه موقعه -وهو قاضي عنيزة- من متابعة دروسه العلمية، والاستفادة منه طيلة المدة التي مكث فيها بعنيزة، وقد أشرف خلال هذه الفترة على إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة عنيزة.
وقد ظلّ الشيخ قاضيًا لعنيزة حتى سنة 1375هـ، وفي تلك الأثناء افتتحت دار الإفتاء في الرياض برئاسة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعين الشيخ عبد الله بن عقيل عضوًا فيها بأمر الملك سعود، وباشر عمله في رمضان سنة 1375هـ.
وكان تعيين الشيخ في دار الإفتاء فرصة عظيمة له لملازمة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والاستمرار في الاستفادة منه.
¥