تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن ليكن معلوماً أن العفو إنما يُحمد إذا كان العفو أحمد، فإن كان الأخذ أحمد فالأخذ أفضل. ولهذا قال تعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)] الشورى 40 [, فجعل العفو مقروناً بالإصلاح.

فالعفو قد يمكن أن يكون غير إصلاح، فقد يكون هذا الذي جنى عليك واجترأ عليك رجلاً شريراً معروفاً بالشر والفساد، فلو عفوت عنه لتمادى في شره وفساده فالأفضل في هذا المقام أن تأخذ هذا الرجل بجريرته، لأن في ذلك إصلاحا ً. قال شيخ الإسلام ابن تيميه (الإصلاح واجب، والعفو مندوب، فإذا كان في العفو فوات الإصلاح فمعنى ذلك أننا قدمنا مندوباً على واجب، وهذا لا تأتي به الشريعة) وصدق رحمه الله.

وقال أيضا في الممتع:

لأن الله تعالى قال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، فاشترط في ثبوت الأجر على الله أن يكون مع العفو إصلاح، وهذا صحيح، أما إذا كان في العفو إفساد فإنه لا يجوز العفو حينئذٍ، وإن كان العفو متردداً بين الإفساد والإصلاح فيجب القول بتغليب جانب العفو لا الأخذ بذلك؛ لأن للإنسان الحق أن يعفو مطلقاً.

وقال أيضا في القول المفيد:

رابعة: الفرق بين العفو الذي يحبه الله وبين الغلظة على أعداء الله:

العفو الذي يحبه الله: هو الذي فيه إصلاح; لأن الله اشترط ذلك في العفو فقال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} [الشورى: من الآية40] ; أي: كان عفوه مشتملا على الإصلاح، وقال بعضهم: أي أصلح الود بينه وبين من أساء إليه، وهذا تفسير قاصر، والصواب أن المراد به أصلح في عفوه; أي: كان في عفوه إصلاح. فمن كان عفوه إفسادا لا إصلاحا; فإنه آثم بهذا العفو، ووجه ذلك من الآية ظاهر; لأن الله قال: {عَفَا وَأَصْلَحَ}، ولأن العفو إحسان والفساد إساءة، ودفع الإساءة أولى، بل العفو حينئذ محرم. والنبي صلى الله عليه وسلم غَلَّظ على هذا الرجل لكونه صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إليه، ولا يزيد على هذا الكلام الذي أمره الله به مع أن الحجارة تنكب رجل الرجل، ولم يرحمه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرق له، ولكل مقام مقال; فينبغي أن يكون الإنسان شديدا في موضع الشدة، لينا في موضع اللين، لكن أعداء الله عز وجل الأصل في معاملتهم الشدة، قال تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: من الآية29]، وقال تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: من الآية73]، ذكرها الله في سورتين من القرآن؛ مما يدل على أنها من أهم ما يكون، لكن استعمال اللين أحيانا للدعوة والتأليف قد يكون مستحسنا.

الخامسة: أن من الاعتذار ما لا ينبغي أن يقبل: فالأصل في الاعتذار أن يقبل، لاسيما إذا كان المعتذر محسنا، لكن حصلت منه هفوة، فإن علم أن الاعتذار باطل; فإنه لا يقبل.

وقال ايضا في تفسير القرآن:

13 - ومنها: جواز العفو عن القصاص إلى الدية؛ لقوله تعالى: (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف ... ) إلخ؛ وهل له أن يعفو مجاناً؟ الجواب: نعم؛ له ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى ندب إلى العفو فقال: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة: 237]، وقال تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} [التغابن: 14]، وقال في وصف أهل الجنة: {الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} [آل عمران: 134]؛ لكن العفو المندوب إليه ما كان فيه إصلاح؛ لقوله تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40]؛ فإذا كان في العفو إصلاح، مثل أن يكون القاتل معروفاً بالصلاح؛ ولكن بدرت منه هذه البادرة النادرة؛ ونعلم، أو يغلب على ظننا أنا إذا عفونا عنه استقام، وصلحت حاله، فالعفو أفضل لا سيما إن كان له ذرية ضعفاء، ونحو ذلك؛ وإذا علمنا أن القاتل معروف بالشر، والفساد، وإن عفونا عنه لا يزيده إلا فساداً، وإفساداً فترك العفو عنه أولى؛ بل قد يجب ترك العفو عنه.

والله أعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير