الاَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنّهُمْ آمَنُواْ واتّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ اللّهِ خَيْرٌ لّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}
وقد استدل بقوله {ولو أنهم آمنوا واتقوا} من ذهب إلى تكفير الساحر, كما هو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وطائفة من السلف, وقيل: بل لا يكفر, ولكن حده ضرب عنقه, لما رواه الشافعي وأحمد بن حنبل, قالا: أخبرنا سفيان, هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار, أنه سمع بجالة بن عبدة يقول: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة, قال: فقتلنا ثلاث سواحر وقد أخرجه البخاري في صحيحه أيضاً, وهكذا صح أن حفصة أم المؤمنين سحرتها جارية لها, فأمرت بها, فقتلت, قال الإمام أحمد بن حنبل: صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر.
وروى الترمذي من حديث اسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب الأزدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حد الساحر ضربه بالسيف» ثم قال: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه, وإسماعيل بن مسلم يضعف في الحديث, والصحيح عن الحسن عن جندب موقوفاً قلت. قد رواه الطبراني من وجه آخر عن الحسن عن جندب مرفوعاً. والله أعلم. وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عقبة: كان عنده ساحر يلعب بين يديه فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه, فقال الناس: سبحان الله يحيي الموتى, ورآه رجل من صالحي المهاجرين , فلما كان الغد جاء مشتملاً على سيفه وذهب يلعب لعبه ذلك, فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر, وقال:
إن كان صادقاً فليحي نفسه, وتلا قوله تعالى: {أتأتون السحر وأنتم تبصرون} , فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك, فسجنه ثم أطلقه, والله أعلم. وقال الإمام أبو بكر الخلال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, حدثني أبي أخبرنا يحيى بن سعيد, حدثني أبو إسحاق عن حارثة قال: كان عند بعض الأمراء رجل يلعب فجاء جندي مشتملاً على سيفه فقتله, قال: أراه كان ساحراً, وحمل الشافعي رحمه الله قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركاً والله أعلم.
وقد ذكر الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد ابن هبيرة رحمه الله في كتابه (الإشراف على مذاهب الأشراف) باباً في السحر فقال: أجمعوا على أن السحر له حقيقة إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا حقيقة له عنده
واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله, فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد يكفر بذلك. ومن أصحاب أبي حنيفة من قال إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر ومن تعلمه معتقداً جوازه أو أنه ينفعه كفر, وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر. وقال الشافعي رحمه الله: إذا تعلم السحر قلنا له صف لنا سحرك فإِن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر, وإن كان لايوجب الكفر فإِن اعتقد إباحته فهو كافر,
قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟
فقال مالك وأحمد نعم, وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا فأما إن قتل بسحره إنساناً فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين, وإذا قتل فإِنه يقتل حداً عندهم إلا الشافعي فإِنه قال: يقتل والحالة هذه قصاصاً
قال: وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟
فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لا تقبل, وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى تقبل, وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم, وقال مالك وأحمد والشافعي: لايقتل يعني لقصة لبيد بن الأعصم واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل ولكن تحبس, وقال الثلاثة حكمها حكم الرجل, والله أعلم.
وقال أبو بكر الخلال: أخبرنا أبو بكر المروزي قال: قرأ على أبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ عمر ابن هارون أخبرنا يونس عن الزهري: قال يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها.
وقد نقل القرطبي عن مالك رحمه الله, أنه قال في الذمي يقتل إن قتل سحره, وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر: إحداهما أنه يستتاب فإِن أسلم وإِلا قتل, والثانية أنه يقتل وإن أسلم, وأما الساحر المسلم فإِن تضمن سحره كفراً كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم لقوله تعالى: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر}.
لكن قال مالك إذا ظهر عليه لم تقبل توبته لأنه كالزنديق فإِن تاب قبل أن يظهر عليه وجاءنا تائباً قبلناه, فإن قتل سحره قتل قال الشافعي: فإن قال لم أتعمد القتل فهو مخطىء تجب عليه الدية.
(مسألة)
وهل يسئل الساحر حلاً لسحره؟
فأجاز سعيد بن المسيب فيما نقله عنه البخاري, وقال عامر الشعبي: لا بأس بالنشرة وكره ذلك الحسن البصري, وفي الصحيح عن عائشة أنها قالت: يارسول الله هلا تنشرت, فقال: «أما الله فقد شفاني وخشيت أن أفتح على الناس شراً»
وحكى القرطبي عن وهب: أنه قال يؤخذ سبع ورقات من سدر فتدق بين حجرين ثم تضرب بالماء ويقرأ عليها آية الكرسي ويشرب منها المسحور ثلاث حسوات ثم يغتسل بباقيه فإِنه يذهب ما به, وهو جيد للرجل الذي يؤخذ عن امرأته
(قلت) أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل الله على رسوله في ذهاب ذلك وهما المعوذتان, وفي الحديث «لم يتعوذ المتعوذ بمثلهما» وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشياطين.
¥