[الخطبة التي خطبها خطيب مسجد كان يصلي فيه الشيخ الغديان , والذي كان يلقي فيه دروسه:]
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[06 - 06 - 10, 04:58 ص]ـ
هذه خُطبةٌ ألقاها يوم الجمعة الموافق 21/ 6/1431هـ:
محمود بن كابر الشنقيطي وهو إمام وخطيب الجامع الذي كان الشيخ بن غديان يدرس فيه وحصل له حادث السيارة وهو في الطريق إليه قبل عامين , وكان الشيخ يشهد معه صلاة الجمعة ولذلك وعظ المصلين بوفاته لأنه واحدٌ منهم وجارٌ لهم.
--
الحمد لله الذي تفرَّد بالبقاء والدَّوام , وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ الملك القدوسُ السلامُ , وأشهدُ أنَّ رحمته للعالمين محمداً عبدُهُ ورسولهُ المبعوثُ بشرعةِ السلامةِ والإسلامِ , صلواتُ الله وسلامهُ عليه وعلى آل بيته وصحابته والتابعينَ عدد سجعِ الحمام ودمعِ الغمام وتفتُّقِ الأكمامِ.
أمَّا بعدُ عباد الله فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي العُدَّةُ الباقيةُ عند حلول الموتِ , والذخيرةُ الواقيةُ من الحسرةِ على الفوتِ , قال الله تعالى (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) , عباد الله:
(النَّاسُ أقواتُ هذا الموتِ يأكلُهم - - جيلاً فجيلاً إلى أن لا ترى جِيلاَ)
الموتُ ما الموتُ عباد الله.؟
إنَّ الموتَ سِرٌّ من أسرارِ الضَّعفِ والعجْزِ المضروبَينِ على كلِّ مخلوقٍ فكلُّ من عليها فانٍ ويبقى وجهُ ربكَ ذو الجلالِ والإكرام , الموت لا يكادُ يتذاكرهُ المتجالسونَ أو يتأمَّلهُ المتقونَ إلا اقشعرَّت الجلود واهتزَّت الضمائرُ وظهرت أيامُ المرْءِ الخاليةُ شاخصةً أمامَ عينيه يعاينُ ما طواها عليه من التقصير , ليعقدَ عزمهُ على توبةٍ تمحو ما سلفَ ويحسُنُ بها المصير , أمَّا من طبعَ اللهُ على قلبِه واستحكمت الغفلةُ من أمِّ لبهِ فلن يفيقَ حتى تدهمه والغافلينَ مناياهم بغتةً فلا يستطيعونَ ردَّها ولا هم يُنظَرون , والأمواتُ وإن اتَّحدت مصائرُهم إلى القبور , إلا أنَّ المصيبةَ بهم ليست واحدةً , فمنهم من يكونُ موتهُ فتحاً مبيناً ويومَها يفرحُ فاقِدوهُ بنصر الله الذي أراح منهُ وكفاهم شرَّهُ , ومنهم من يموتُ ويكُونُ موتهُ مُصَاباً جلَلاً يكلمُ قلوبَ المسلمين ويستدرُّ دموع المؤمنين ويكوي أفئدةَ الأقربينَ والأبعدينَ , وليست هذه الآخِرةُ إلا لعلماء الأمَّةِ العاملينَ الراسخينَ الذين يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ , فلا يطلبونَ وراءَ الله أحداً , ولا يجدونَ من دونِهِ مُلتحَداً , والمصيبة بمثل أولئك الكرامِ البررةِ لا تقلُّ خطراً عن الكوارثِ الكونية التي تعمُّ بالضرر أصقاعَ الدنيا , والشاهدُ على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلمَ القائلُ فيما صحَّ عنهُ (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ .. ) وزوالُ العلمِ زوالٌ لصالحِ العمَلِ وإيذانٌ بكثرة الخبَثِ وتكاثر الأشرار الذين على أعقابهم تقومُ الساعةُ , وإنَّ من آخرِ شواهدِ هذا الرفعِ للعلمِ ما كانَ بلاءً راصداً وسهماً قاصداً أصابَ الأمَّةَ في مقاتلَ عدةٍ و رماها على تمكينٍ وحدةٍ ذلكم هو موتُ سماحة الشيخِ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الغدَيَّان قدَّس الله روحهُ ورضي عنهُ وأرضاهُ ورفع درجاته في المهديينَ وألحقهُ بالصالحينَ , وكأنِّي بأمَّة الإسلام لو تجسدت ناطقةً لتمثلت قول العربي:
(فمن لي بالبقاء وكُلُّ يومٍ - - لسهمِ الموتِ في كبدي جِراحُ) ,
فإنَّا لله وإنا إليه راجعون, ونسأل الله أن يأجُر المصابين به في مصيبتهم ويُخلف لهم خيراً.
وإنَّ المتأمُّلَ في بعضِ جوانبِ حياةِ هذا العلَمِ الشَّامخِ تورثُ السامعَ إحساساً بالعزَّةً والمتكلِّمَ استمداداً للقوَّةِ والخاملَ أملاً في الانبعاثِ والنُّشور , فالدنيا بغيرِ العُلماءِ وأخبارهم جمودٌ وهمودٌ بل هي وادٍ غيرُ ذي زرع حتى تُمطِر عليه سحائبُ أنبائهم , والله تعالى أمر الأنبياءَ بسلوك سبيل العالمينَ فكيف بمن هو دون الأنبياء قال الله تعالى لموسى وهارونَ (فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فأوَّلُ الاستقامةُ صحبةُ وملازمةُ ومطالعةُ أخبار العُلماء , ولذا كانَ من عادة أهل العلمِ شحذُ هممهم بأخبار الماضينَ من الأئمَّة رجاءَ
¥