وهذه إرادة الله ومشيئته الله في الكون والخلق يفعل ما يريد من منطلق السبب ويخلق ما يشاء من منطلق الفعل، وهي تمتد من عموم السبب بالقدرة و الاستطاعة المطلقة كن فيكون, (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان: 2)
وإرادة العباد ومشيئتهم تبدأ بهذه الكيفية وعلى هذا الترتيب:
(اِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ... إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)
حرية الإرادة و المشيئة الملزمة للعباد:- هي الحرية التي ارتضاها الله لعباده وشاء أن تكون لهم لتصبح حجة عليهم أمام الله عند الحساب، فجعل سبحانه وتعالى بتلك الحرية التزام عليه حتى لو كانت تلك الحرية السبيل لكفرهم به، و نوجز في بعض الآيات:
(قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا ... وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا)
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)
وهذه الآيات مبينة لموقع المشيئة والإرادة التي منحها الله لعباده (وهي حرية الإرادة والمشيئة)
وعلى هذه الحرية يحاسب الله العباد على أفعالهم وقسمها إلى قسمين
القسم الأول: الآيات البينات لمن يريد الهداية من العباد وهذه الهداية الدالة على الإيمان:
(وَكذلكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ) أي آيات بينات و البينات جمع بينة وهي الدليل القطعي الذي يثبت صدق الرسالة بدون أدنى شك وهو السبب للذي يريد الهداية من العباد وهذه هداية الدلالة الدالة على صدق الكتاب الذي تستمد منه الأفعال، وكلمة (كذلك) في كتاب الله تأتي مبينة للسبب، وكل عزم على الفعل يبدأ من منطلق السبب يطلق عليه (أراد, يريد) فأراد مبينة لنوع الفعل و يريد مبينة للسبب الذي يقوم عليه الفعل, وتأتي في كتاب الله أَرَادَ لصيغة المفرد أَرَدْنَا للمثنى أَرَادُواْ للجمع، يُرِيدُ للمفرد يُرِيدَانِ للمثنى وَيُرِيدُونَ للجمع، وهذا ما عنى الله تعالى بقوله (َوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ) أشار إلى وجود السبب الذي ترتب عليه الفعل أقامه.
و كل من اهتدى بالبينات اهتدى من السبب، ويعني أنه اطلع على آيات الله البينات و آمن بها عقلاً و بحريته, ومن السبب ينطلق إلى الفعل بالقدرة و الاستطاعة مستمدة ذلك من الآيات البينات منتقل إلى:
القسم الثاني: الآيات المبينات لمن يشاء الهداية من العباد وهذه الهداية الدالة على الصراط المستقيم:
(لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) أي آيات مبينات والآيات المبينات الواضِحات و الموضحات بتطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم لها لمن يشاء من العباد تطبيق الفعل في إتباع المنهج الرباني وهذه هداية الإعانة الدالة على كيفية الأفعال الصحيحة أي الصراط المستقيم، وكلمة (لقد) مبينة للفعل، وكل ما يأتي من منطلق الأفعال الممتدة من السبب العمومي يطلق عليه مشيئة (الَّذِينَ آمَنُوا (بـ البينات) وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (بـ المبينات)).
¥