ونظراً لما كان يتمتع به –رحمه الله- من علمٍ وفهمٍ عُيِّن رئيساً لمحكمة الخبر، ثم نُقل مدرساً بالمعهد العلمي. وفي عام 1380هـ عُيِّن مدرساً بكلية الشريعة بالرياض، فتولَّى التدريس فيها بكل اقتدار، وأظهر موهبةً فذَّةً في عرض المسائل، وكانت له طريقة متميزة في التدريس (ولا أنسى ما أشار به عليَّ من نصائح في طريقة ومهارات التدريس).
وفي عام 1386هـ تمَّ تعيينه عضواً للإفتاء، ثم في عام 1391هـ عُيِّن للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالإضافة إلى عضوية هيئة كبار العلماء، وبقي فيها إلى أن وافوه الأجل.
فهذه أبرز محطات حياته الحافلة بالعلم والعطاء، وإنه من الصعب جداًّ الإتيان على تفاصيل حياته في هذا الحيِّز الزمني والمكاني.
أما صفاته رحمه الله: فقد كان وقوراً صبوراً، متأنياَ في كلامه، صادقا في لهجته، تعلوه هيبة العلم، ويزينه تواضع العالم، تحلى بالعلم، وتسربل بالأدب، كريم الشيم، مجمع كنز الأخلاق الحسنة، والصفات المستظرفة المستحسنة، قويٌّ في دين الله، رحيمٌ بعباد الله، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يستنكف أن يقول لا أعلم بتجرد كبير، ويحترز دائماً أن تصدر عنه كلمة نابية، أو عبارة ناشزة، يعيد السؤال ليستوثق من السائل، ويحمد الله ويثني عليه قبل كل إجابة، ثم يأتي بالجزل من الكلام، و الفصل من الأحكام.
واليوم وقد اخترمته المنية، لا نملك إلا أن نعدد بعض مآثره، وأعبِّر عما يمللأ فؤادي من لوعة ابنٍ بارٍّ على فقد والده لأشارك المشجين المكلومين ألمهم وأقول: عزاؤنا فيه أن الموت حق، وأنه وإن رحل عنا بجسده فسيظل حبه خالداً في شغاف قلوبنا، وستظل ذكراه الحميدة في ألسننا ومخيلات أفكارنا، وستبقى سيرته العطرة حية بيننا. بل وسيبقى نور علمه ساطعاً في أرجائنا، وصدى فتاويه يجلجل في مسامعنا.
ستذكرك يا شيخنا عويصات المسائل كلما حارت الأفهام، وستذكرك مجالس الدروس كلما تحلق حولها الطلاب، وسيذكرك نور على الدرب مدى الأيام، وسيبكيك طلابك ومحبوك الذين كادت قلوبهم تنماع حسرة على فراقك، وتقاطروا من كل صوب لشهود جنازتك وألسنتهم تلهج دعاءً وأعينهم تفيض من الدمع حزناً على فقدك.
إنها العزة الحقة والله! مشهد عجيب اكتظ به المكان على الرغم من قصر الزمان، فتنادى المحبون لتشييع حبيبهم، ولم يحدهم في ذلك طمع ولا خوف بل إجلالٌ للعلم وإكبارٌ للعالم وكما قيل: وعند الجنائز تظهر الحقائق.
فإلى الله نحتسب علماءنا، ونسأله تعالى أن يعوضنا في فقدهم خيراً، ويجبر كسرنا في فراقهم، ويبارك لنا في عمر من بقي منهم، ويمتعنا بحياتهم، فإن رحم العلم ولادة،ولا يزال الخير في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وصدق القائل:
نجوم سماء كلما انقض كوكب بدا كوكب تأوي إليه الكواكب.
كتبه / أ. د عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الفريح
أستاذ الحديث ورئيس قسم فقه السنة بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية
المدينة المنورة 2/ 7/1431هـ
ـ[أبوعبد الاله العيسي]ــــــــ[01 - 07 - 10, 08:46 ص]ـ
ونعم الشيخ كان فرحمه الله رحمة واسعة ونفعنا بعلمه
مقال رائع من شيخ معروف مثل الشيخ الدكتور عبد العزيز الفريح
وجزيت كل خير يا ابن طيبة الطيبة ويا سليل العترة الشريفة
ـ[أبوحاتم الشريف]ــــــــ[02 - 07 - 10, 10:35 ص]ـ
مقال متميز من الدكتور عبد العزيز الفريح والشيخ الغديان عالم جليل وأصولي خريت رحمه الله وغفر له وجزى الله الدكتور الفريح على هذه العبارت الجميلة والكلمات المتناسقة في حق شيخه الغديان