والإجابة يا صديقى: أن الناس فى سعيهم مختلفون فمنهم الطغاة البغاة رءوس الفتنة والضلال ومنهم الأذناب الذين يسيرون خلف كل ناعق فالناس فى سعيهم درجات كما أن النار دركات فالآية ليست هى الآية عند النظر الدقيق فآية سورة الحج تتحدث عن رءوس الفتنة والضلال ولذلك ذكرت سعوا بالألف وأنظر إلى تذييل الآية " أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " يعنى أنهم لن يخرجوا من الجحيم فهم أصحابها فلمن يتركونها؟! وآية سورة سبأ تتحدث عن الأذناب الذين لهم سعى أقل من سعى رءوس الفتنة ولذلك ذكرت سعو بغير ألف وأنظر أيضا إلى تذييل الآية " أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ " فكل سيأخذ جزاءه على قدر سعيه ولا يظلم ربك أحدا.
وبعد فهذا القسم هو أطول الأقسام ولو تكلمت فيه ما انتهيت وأخشى عليك أن تمل وسأجمل لك حكمته فى هذه الكلمات:
حذف الحرف قد يدل على ضآلة الشئ أو على عظمته التى لا يحاط بها أو على كثرته التى لا يعرف منتهاها والسياق من أدلة تحديد المراد فأعمل فكرك وستصل إلى غرضك.
3. القسم الثالث: تغيير شكل الحرف
فحرف التاء قد يكتب مرة مفتوحا هكذا " ت " وقد يكتب مرة مربوطا هكذا " ة " ووراء هذا الاختلاف سر يمر عليه أكثر الناس وهم عنه غافلون ولا يعرفه إلا من آتاه الله عقلاً مفكرا وخيالا خصباً أنظر إلى قوله تعالى " چ وَاذْكُرُواْ نِعْمَت اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْچ آل عمران: 103
فقد فتحت التاء هنا " ت " لأن النعمة حاضرة بين أيديهم يشاهدونها ويعرفونها نعمة التوحد بعد التفرق والإئتلاف بعد الخلاف وتمعن فى قوله تعالى فى نفس السورة چ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ چ آل عمران: 171
فالشهداء عند ربهم فى عالم الملكوت يستبشرون بنعمة من الله لا يعرف أحد من البشر كنهها ولذلك ربطت التاء هكذا " ة "
وأنظر إلى قوله تعالى فى سورة المائدة چ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ چ المائدة: 11
فكف أيدى الأعداء نعمة مشاهدة محسوسة ففتحت التاء.
أما قوله تعالى فى نفس السورة چ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ چ المائدة: 20
فهذه نعمة جليلة عظيمة القدر لا يحاط بعظمتها فلذلك ربطت التاء , وتدبر قوله تعالى چ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ چ الحجر: 13
فهذه سنة مضت وبعدت عنهم وتطاول عليها الزمن فربطت التاء وأنظر قوله تعالى چ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا چ فاطر: 43
فهذه سنة ينتظرونها وهى تقترب منهم ففتحت التاء .. وقال الله تعالى چ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ چ غافر: 85
فهذه سنة عرفها الله لهم وكأنهم يرونها رأى العين ففتحت التاء.
واقرأ وتدبر قوله تعالى چوَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ چ إبراهيم: 34 فهذه نعم تعرف بمجرد النظر ففتحت التاء واقرأ الآيات التى قبلها چ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار چ إبراهيم: 32 – 34
¥