وأما عفة الشيخ وتعففه فهو بحر لا ساحل له وقد تكفي الإشارة إن لمة تسعف العبارة وصفوة القول أن الشيخ – رحمه الله – كان شديد التعفف، غاية في الزهد، نموذجا للأسوة الحسنة والقدوة الصالحة.
كما كان رحمه الله عف اللسان عفيف النفس طاهر الذيل، بعيدا عن المحارم، مجانبا للمآثم.
يبيت مشمرا سهر الليالي وصام نهاره لله خيفة
وصان لسانه عن كل إفك وما زالت جوارحه عفيفة
يعف عن المحارم والملاهي ومرضاة الإله له وظيفة
تواضعه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد ". والتواضع هو انكسار القلب لله وخفض جناح الذل والرحمة للخلق ومنشأ التواضع من معرفة الإنسان قدر عظمة ربه ومعرفة قدر نفسه فمن عرف نفسه وتواضع لربه فإنه لا يتمرض على خالقه باقتراف الجرائم والآثام كما أنه يعامل الناس معاملة حسنة بلطف ورحمة ورفق ولين جانب، لا يزهو على مخلوق ولا يبالي بمظاهر العظمة الكاذبة ولا يترفع عن مجالسة الفقراء والمشي معهم وإجابة دعوتهم ومخاطبتهم بالكلام اللين ولا يأنف من استماع نصيحة من هو دونه. قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً).
لقد كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي لين الجانب، سهل الخلق، شديد الزهد في أعراض الدنيا، يلبس الخشن من الثياب ويرتاح لذلك ويعلله بأنه يناسب بدنه صحيا ولم يكن له ترتيب خاص به في حياته كما هي عدة الأثرياء والوجهاء، كما أنه ليس له ترتيب خاص به في مجلسه وطعامه ولقائه بالعلماء والعامة وطلبة العلم وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس وكان كثير التأمل، شديد الملاحظة، يؤثر الصمت ولا يتكلم إلا عند الحاجة ولا يزيد عن المطلوب منه وكان لا يتشدق في الكلام ولا يتكلف ما ليس عنده ولا يزهو على أحد بعلمه ولا يترفع على جلسائه بل يباسطهم ويمتزج بهم ومع هذا فهو بتواضعه متميز بخفض جناحه لطلابه وجلسائه، متعزر قد زاده التواضع رفعة وخفض الجناح شرفا.
يقول الدكتور عبد الله بن حافظ الحكمي: كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – محل القدوة والأسوة، شديد التواضع تغلب عليه البساطة في مجلسه، إذا ارتاح لمحدثه استرسل في ذكر الأحداث والمواقف ونزل معه على قدره صغيراً كان أو كبيراً.
وقال الدكتور محمد بن لطفي الصباغ: كان الشيخ عبد الرزاق متواضعاً يكرم الصبيان والفتيان ولا يدعوهم إلا بألقاب التكريم، وقد رأيته يوم أن جاء الشيخ حسن حبنكة أحد كبار علماء بلاد الشام لزيارة مفتي المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله – رأيته في قمة التواضع إذ كان يؤثر الكثيرين في الجلوس في المقاعد المتقدمة مع أنه أحق منهم بهذا التقديم.
صدقه وأمانته:
إن من أعظم مكارم الأخلاق التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم الصدق. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) وقال صلى الله عليه وسلم " إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة "
لقد بلغ الشيخ عبد الرزاق عفيفي – يرحمه الله – من الصدق والأمانة مبلغاً وغاية جعلته موضع التقدير والاحترام والتوقير من طلابه ومحبيه كان لا يتكلم إلا بما يعتقد أنه الحق وكان يؤثر الصمت في بعض الأوقات ولكنه إذا تكلم في أمر من الأمور أقنع محدثه لقوة حجته وصدق لهجته وبعده عن الكلام المبتذل والتلون في الحديث، وهذه الصفات الحسنة والخلال الحميدة جعلت الشيخ يحتل مكان الصدارة بين أساتذة الكليات والمعاهد العلمية والمؤسسات الدعوية بالمملكة.
ويؤكد هذا أحد طلابه قائلاً: عرفت الشيخ عبد الرزاق أستاذاً ماهراً وبحراً زاخراً بمختلف علوم التفسير والعقيدة والفقه والأصول وغيرها من جوانب العلوم الشرعية واللغة العربية وعرفته كذلك محدثاً واعظاً ومرشداً أميناً جم المعرفة غزير العلم متواضعاً كثير الزهد والتقشف مقبلاً على الله في جميع أقواله وأعماله.
قلت: ومن قرأ فتاوي الشيخ واستمع إلى ردوده على المستفتين يدرك أنه كان – رحمه الله – صادقاً في قوله أميناً في نقله لكلام أهل العلم ومذاهبهم وانه – رحمه الله – كان يلتمس الحق من وجهته، ويتبعه من مظانه.
¥