تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

علمتُ بأنَ دينَ الله باق ** به يُبْنى لنا المجدُ التليدُ

فعادتْ بالرِّضا أغوارُ نَفْسِي ** رياضاً إذْ عَلِمْتُ بِما أريدُ

وقد ضمنتها ليلَ الألم وفجرَ الأمل حملني على كتابتها ما كان يترامى إلى سمعي من جراح أُمَّتِنَا، ولَيْتَنِي وَجَدْتُ يومها من يعجِّل بِي إلى الخير الذي حُزْتُه فيما بعدُ؛ لكنه أمر الله تعالى وكل شيء عنده بمقدار.

ورزقني الله تعالى بفضله منذ نعومَةِ أَظْفاري حافِظَةً حَسنةً؛ فكنت لا أسمع درساً أو خطبة جمعة إلا وحفظتها حفظاً لا يكاد يفوتُ معه شيء وأذكر أنني سمعت مرةً من المعلم درساً في شرح حديث (سبعة يظلهم الله بظله) في نحو عشر صفَحَات، ثم قرأت الشرح مكتوباً مرة أو مرتين، وبقي عالقاً بعد هذا بذاكرتي حتى ألقيته درساً بعد صلاة العشاء في بعض مساجد مكة المكرمة بعد نحو خمس سنين، وأذكر قبل هذا درساً ألقيته بعد صلاة الظهر في أحد المساجد في شرح حديث (يؤم الناس أقرأهم لكتاب الله) ولي من العمر يومها نحو عشر سنين أو يزيد قليلا.

وكان هذا مما صنع الله لي، فإنه كان خير مُحَرِّضٍ ودافع بعد فَورَةِ أيام الصبا على الاجتهاد في طلب العلم وتحصيله، والرحلة في لقاء المشيخة والأخذ عنهم واستجازتهم، فوجدتُ لَعَمْرُ الله لذلك حلاوة لا يعرفها إلا من أسند الركب إلى الركب، ومشى في حرّ الهجير قصد الطلب وركب، ولزمت بعد الفراغ من الدراسة النظامية – وكنت قد التحقت بالجامعة في إحدى الكليات العلمية – حِلَقَ العلم نحوَ سنتين وكان أكثرُها في حِلَقِ متقدمي الطلبة، فأفدت منها مبادئ العلوم خاصة من كتُبِ العلامة ابن القيم وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكتب العلامة الألباني رحمهم الله على ما جرت به عادة الطلاب في تلك البلاد، وهذا مع الانشغال بالأسفار للدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلقاء الدروس والمواعظ والخطب، ولله الحمد.

وفي أوائل العامين المذكورين وقع في يدي كتاب (الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان) للشيخ المجاهد أبي محمد عبدالله عزام رحمه الله، وكنت قد سمعت قبل هذا عن الجهاد الأفغاني عام (1400) فشدّني ما ذكره الشيخ في الكتاب، وكان ذلك أوائل عام (1405) ثم ثَنَّيْتُ بِمُطالعةِ كتابِهِ (آيات الرحمن) فأعجبني الكتابان وآنَقْنَنِي وراعَنِي أنْ لازالَ فِي المسلمين من يَحْمِلُ راية الجهاد في سبيل الله، وكنت أحسبُ أنْ لا وُجُودَ لِهذا إلا فيما كنت أقرأه في كتب السير وأخبار الفتوح أيام الصبا!، فَعَزَمْتُ على التوِّ على تَرْكِ الدراسة والرَّحِيلِ مهاجراً إلى الله تعالى وللجهاد في سبيله، وشاء الله تعالى في هذه المدة أن أتعرف إلى فضيلة أخينا الكبير العلامة الشيخ شمس الدين السلفي الأفغاني، وهو من ولاية كونر في أفغانستان، حدثنا أن والده كان يعتني به في طلب العلم منذ الصغر، وكان يعلمه الخطبة على المنبر وله من العمر سبع سنين أو نحوها، وقد أَطْلَعَنَا على بعض مصنفات له بالعربية وله من العمر دون العشرين، ومن تصانيفه المشهورة كتاب له في الرد على عقائد الماتريدية، وكتاب آخر في جهود علماء الأحناف في محاربة الشرك والبدعة، فكنا نقصده بالزيارة ومعنا بعض كبار إخواننا من الطلبة وعلى رأسهم الشيخ أبو دجانة محمد بن عثمان المصري رحمه الله، ونمكث عندَهُ أياماً بين المدة والمدة فِي مَكْتَبَتِهِ العامرة بالمدينة المنورة، فأَفَدْنَا منه ومن مكتبته رحمه الله، ومما كان يقصه علينا من أخبار الجهاد والمجاهدين وأضرم فيّ نيران الشوق إلى الرحيل، وقدر الله عزوجل أن يتأخر الرحيل إلى أوائل عام (1407)، وكنت قبل سفري بأشهر يسيرة قد لقيتُ الشيخَ أبا محمد عزام فحدثته بما عزمت عليه فأرشدنِي وإرشادُهُ أمرٌ رحمه الله إلى الطريق الذي يَنْبَغِي أنْ أَسْلُكَهُ وساعدنِي في تيسير بعض أسبابه

وكان ما كان مما لستُ أذكره فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير