إليه علم البشر فيه، ولا يمكن أن يقال إنه لا يمكن انتقاده، بل الانتقاد على ما فيهمن التفسير ومن مسائل العلوم ممكن {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (يوسف: 76) وقد قلنا إنه لم يعن بقسم التفسير منه كثيرًا ولا سيما التفسير المأثور، وأما هذهالعلوم فالبشر يتوسعون فيها عامًا بعد عام، فينقضون اليوم بعض ما أبرموا بالأمس، فليس كل ما دوَّنه أهلها صحيحًا في نفسه، فضلاً عن كونه مرادًا لله من كتابه، وإنما أُنزل الكتاب هدى للناس لا لبيان ما يصلون إليه بكسبهم من العلوموالصناعات؛ ولكنه أرشد إلى النظر والتفكر فيها ليزداد الناظرون المتفكرون إيمانًابخالقها، وعلمًا بصفاته وحكمه.
وأما السؤال عن رضاء الله عنه وإثابته عليه فلا يقدر بشر على الجواب عنهبالتحقيق؛ لأن علمه عند الله تعالى وحده؛ وإنما نقول بحسب قواعد الشرع الإلهيإنه إذا كان قد ألَّفه لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته فإن الله تعالى يثيبه عليه، فماأصاب فيه فله عليه أجران، أجر الإصابة وأجر الاجتهاد وحسن النية، وما أخطأ
فيه فله عليه الأجر الثاني مع رجاء العفو عن الخطأ، وهذا ما نظنه فيه.
وجملة القول إن هذا الكتاب نافع من الوجهين اللذين أشرنا إليهما في أول هذاالجواب، وصاحبه جدير بالشكر عليه والدعاء له؛ ولكن لا يُعوَّل عليه في فهمحقائق التفسير وفقه القرآن لمن أراده؛ فإنه إنما يذكر منه شيئًا مختصرًا منقولاً منبعض التفاسير المتداولة، ولا يُعتمد على ما يذكره فيه من الأحاديث المرفوعة
والآثار لأنه لا يلتزم نقل الصحيح، ولا ذكر مخرِّجي الحديث ليُرجع إلى كتبهمفلابد من مراجعتها في مظانها، وما ينفرد به من التأويلات فهو يعلم أنه يخالف فيهجماهير العلماء وهم يخالفونه؛ وإنما راجعت بعضه في أثناء كتابة هذا الجوابفزادني ثقة بما قلته فيه من قبل، والله أعلم ".اهـ (21)
قال في معجم المفسرين: " تفسيره نحا فيه منحاً خاصاً، ابتعد أكثره عن معنى التفسير وأغرق في سرد أقاصيص وفنون عصرية وأساطير ".اهـ (22)
قال في الموسوعة الميسرة: " من يلاحظ تفسيره وما وضع فيه من الخزعبلات والخرافات وترك الموضوع الرئيسي ألا وهو تفسير القرآن، وبدأ يسرد القصص وأنواع العلوم والفنون والاكتشافات العصرية الكبيرة والمعجزات الكثيرة الموجودة في القرآن وغير ذلك، ووضع في تفسيره الصور واللوحات وخصص جزءاً قليلاً إلى التفسير الفعلي للآيات، أو ما يسمى التفسير اللغوي لها، وقد نقلنا بعض المواضع التي تغني عن الكثير حيث كان يستخدم التأويل أو المجاز، ولا يثبت لله سبحانه اليد أو السمع أو البصر أو غيرها وإليك بعض المواضع التي نقلنها من تفسيره المسمى الجواهر في تفسير القرآن حيث قال في تفسير القرآن الكريم:
حيث قال في تفسير {استوى على العرش} [يونس:4ـ6]
" استعلى بالقهر والغلبة كما جاء في الآية الأخرى:
{وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكرا نعمة ربكم إذا استويتم عليه}
والعرش إما بمعنى البناء، فكل بناء يسمى عرشاً وبانيه يسمى عارشاً ".
وقال في تفسير سورة هود (6/ 128):" {كان عرشه على الماء} وقد تقدم تفسير هذا في أول سورة يونس بأن الماء العلم: أي وكان ملكه قائماً على العلم ولايزال كذلك وإنما خلق السموات والأرض ليربي ذوي الأرواح فيهما بالخير والشر ".
وقال في تفسير سورة البقرة (1/ 114):
" {فأينما تولوا وجهكم فثم وجه الله}: أي جهة رضاه وليس الله مختصاً بمكان، بل هو (واسع) الفضل (عليم) بتدبير خلقه ".
وفي تفسير سورة المائدة (3/ 196):" {قالت اليهود يد الله مغلولة} فهو مجاز إما عن البخل أو الفقر ... {بل يداه مبسوطتان} ثنى اليد مبالغة في نفي البخل وإثبات الجود. اهـ (23)
وقال الباحث أنور يوسف في رسالته " طنطاوي جوهري، ومنهجه في التفسير:
" بعد أن وقفنا طويلاً على تفسير الجواهر ومضامينه، وعشنا بين جنباته وصفحاته، وأفكاره وآرائه، صار لزاماً علي أن أقول رأيي فيه، وكم ترددت في ألاّ أصدر حكماً أراه الأخير في هذا البحث، لكن خطورة وأهمية الموضوع والأمانة الشرعية فرضت عليّ أن أذكر قناعاتي المتواضعة اتجاه هذا التفسير، والله من وراء القصد.
¥