تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الذين كفروا أن السموات والأرض كانت مرتوقة ففصلنا بينهما، فهو وإن ذكرها بلفظ الماضيفقد قصد منه المستقبل كقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} .. وهذه معجزة تامة للقرآن، وعجيبة من أعجب ما يسمعه الناس في هذه الحياة الدنيا" ..

ومثلاً عند قوله تعالى في الآية [15] من سورة الرحمن: {وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} .. نجده يقول: "والمارج المختلط بعضه ببعض، فيكون اللَّهب الأحمر والأصفر والأخضر مختلطات، وكما أن الإنسان من عناصر مختلفات هكذا الجان من أنواع من اللَّهب مختلطات، ولقد ظهر في الكشف الحديث أن الضوء مركّب من ألوان سبعة غير ما لم يعلموه. فلفظ المارج يشير إلى تركيب الأضواء من ألوانها السبعة، وإلى أن اللهب مضطرب دائماً، وإنما خُلِق الجن من ذلك المارج المضطرب، إشارة إلى أن نفوس الجان لا تزال في حاجة إلى التهذيب والتكميل. تأمل في مقال علماء الأرواح الذين استحضروها إذ أفادتهم أن الروح الكاملة تكون عند استحضارها ساكنة هادئة، أما الروح الناقصة فإنها تكون قلقة مضطربة".

وعند قوله تعالى في الآية [35] من السورة نفسها: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ} .. يقول: "إنه عبَّر هنا بـ {شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ} وفيما تقدم بقوله: {مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}، والشواظ والمارج كلاهما اللَّهب الخالص، فلماذا جعل الجان مخلوقاً من مارج ولم يقل من شواظ؟ فاعلم أن المارج فيه معنى الاضطراب كما تقدم.

وقد أثبتذلك هناك، وهذا الاضطراب يفيد اضطراب الروح كما تقدم في علم الأرواح، وأيضاً اختلاط الألوان الآن معروف في التحليل فهو من هذا القبيل .. وهذه الفكرة لم تُعرف قط إلا في زماننا هذا، فإن تحليل الضوء والعلم بأنه مختلط، والاطلاع على عالم الأرواح الناقصة وأنها مضطربة، لم يكن إلا في زماننا، وهذا من أعاجيب القرآن التي لا تُدرك إلا بقراءة العلوم، وليس يعقلها الناس بفن البلاغة المعروف، فلا أصحاب المعلقات يدركونها، ولا الذين بعدهم يعلمونها، فهل لمثل امرىء القيس، أو لأبى العلاء، أو المتنبي أن يتناولوا هذه المعاني في أقوالهم؟ كلا .. فهذه البلاغة لا تخطر ببالهم، وأنَّى لهم علم الروح حتى يخصصوها بلفظ مارج؟ وعند إنزال العذاب يذكرون الشواظ".

ومثلاً في سورة الزلزلة نجده يُفسِّرها تفسيراً لفظياً مختصراً، ثم يذكر ما فيها من لطائف، مستعرضاً ما وقع من حوادث الزلزال في إيطاليا، وما وصل إليه العلم الحديث من استخراج الفحم والبترول من الأرض، وما كثر في هذا الزمان من استخراج الدفائن من الأرض، مثل ما كُشِف في مصر من آثار قدمائها، ثم يقول - بعد ما يفيض في هذا وغيره: "ألست ترى أن هذه السورة - وإن كانت واردة لأحوال الآخرة - تشير من طرف خفى إلى ما ذكرنا في الدنيا؟ فالأرض الآن كأنها في حالة زلزلة، وقد أخرجت أثقالها، كنوزها وموتاها وغيرها، والناس الآن يتساءلون، وها هم أُولاء يُلهمون الاختراع، وها هم أُولاء مقبلون على زمان تنسيق الأعمال بحيث تكون كل أمة في عمل يناسبها، وكل إنسان في عمله الخاص به وينتفع به".

ومثلاً نجده بعد أن يفرغ من تفسير سورة الكوثر، وسورة الكافرون، وسورة النصر، يذكر لنا بحثاً مستفيضاً عنوانه: "تطبيق عام على سورة الكوثر والنصر وما بينهما" وفيه نجده يتأثر بنزعته التفسيرية العلمية إلى درجة جعلته يُحَمِّل نصوص الشارع من المعاني الرمزية ما يُستبعد أن يكون مراداً لها. وذلك أنه يقرر أولاً أن هذه السور لم تكن خاصة بزمان النبوة، ولا بفتح مكة ونصر جيشها، لأن هذه الأمة كانت عند نزول هذه السور في أول عمرها، وسيطول إن شاء الله، وكم سيكون لها من فتوح وانتصارات.

ثم قال: "وإذا كان الأمر كما وصفنا ونحن أبناء العرب، وورثة النبي الذي جاء منا - صلى الله عليه وسلم، ولغتنا في مصر، والشام، والعراق، وشمال إفريقيا، هي لغة القرآن فلنبين للناس بعدنا سر هذه السور، فقد كان العلماء قبلنا يكتمونها، خوفاً من أهل زمانهم، ولكنَّا الآن يجب علينا إبرازه وإظهاره، لتأخذ هذه الأمة بعدنا حظها من الحياة، وحصتها من الإصلاح".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير