تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقال إنهم جربوا ذلك فنجح بعض النجاح ولكنه لم يأت على حسب المراد، ويصير خاضعًا لكسب الإنسان يفعله متى أراد، والذي نبههم إلى هذا ملاحظة حدوث المطر عَقيب الحرب حيث تطلق المدافع فتحدث في الجوّ تغيرًا عظيمًا.

وليس من المحال عقلاً ولا شرعًا أن يصل علم الإنسان بسنن الله في الخلق إلى حد يستمطر به السحاب متى شاء فإن الله تعالى لم يجعل لعلم الإنسان بالكائنات حدَّا معينًا، بل تشير آيات القرآن بإطلاقها إلى أنه لا حدَّ له كقوله تعالى: [وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ] (الجاثية: 13) ولا ينافي ذلك - إن حصل - كون الله تعالى هو الذي ينزل الغيث وكونه ينزله بقدر معلوم فإن ما يناله الإنسان بسعيه وكسبه لا يخرج عن قدرة الله تعالى وعلمه، ولم يرد ذلك للإعجاز.

أرأيت هذه الينابيع التي تفجّرها، والآبار التي تحتفرها، أهي تخرج بكسبنا عن سلطة القدرة الإلهية، وتحتجب بسعينا عن علمه المحيط بالبريّة؟ كلا.

أما قوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ] (لقمان: 34) فليس نصًّا في كون علم الإنسان يصل إلى معرفة شيء من هذه الأمور.

ولكن يشتبه على الناس تفسير قوله تعالى: [وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ] (الأنعام: 59) بهذه الخمس المذكورة في الآية كما في حديث أحمد والبخاري.

وقد قال الإمام الرازي وغيره: إن المراد مفاتح خزائن الغيب، أي: فلا يعلم جميع ما في خزائن الغيب إلا من بيده مفاتحها وهو الله تعالى.

وقد ظهر لي في أيام طلب العلم وقراءة التفسير وجه دقيق لجعل هذه الخمس مفاتح للغيب ولم أر أحدًا من المفسرين تعرض لذلك، وقد عرضت هذا الوجه يومئذ على أستاذنا الشيخ محمود نشابة وعلى شيخنا القاوقجي (رحمهما الله تعالى) فاستحسناه وكتبته في كتابي (الحكمة الشرعية) وهو: إن المفاتح جمع مَفتح بفتح الميم أو كسرها بمعنى الخزائن أو المفاتيح، والغيب ما غاب عن الناس وهو عالم الآخرة وعاَلم البرزخ بين الدنيا والآخرة وبعض عالم الدنيا وهو النبات الذي لم ينبت والحيوان الذي لم يولد وما تكسبه الأنفس في المستقبل، فالساعة مفتح عالم الآخرة، والغيث مفتح عالم النبات، وما في الأرحام مفتح عالم الحيوان، وقوله تعالى: [وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا] (لقمان: 34) ظاهر في مفتح الكسب والأعمال التي ستحدث، وكذلك الموت مفتح عالم البرزخ ظاهر في باقي الآية.

والله أعلم.

قلت:

الله سبحانه و تعالى لم يستخدم لفظة الغيب لوصف هؤلاء الخمس بل استخدم لفظ مفاتح الغيب. اذا مفاتح الغيب غير الغيب. و بالتفسير اللفظى هى المدخل للغيب و هذا يتفق مع ما ذهب اليه الشيخ رشيد رضا فى تفسيره. لكن يوجد اشكالان:

الأول: تفسير الرازى بأن المراد هو مفاتح خزائن الغيب فمفاتح هنا تعود على الخزائن و لا تعود على الغيب و بهذا يستقم المعنى و يكون "لا يعلمها الا هو" عائدة على الخزائن. يشفع لهذا الرأى قوله تعالى:

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ

اذا فمفاتح الغيب هى المدخل المعنوى المعبر عن " و ما ننزله الا بقدر". و لكن الاشكال فى أن هذا التفسير للآية مرجوحا لأنه أفترض أن المفاتح عائدة على الخزائن الغير مذكورة فى الآية

الثانى هو لو افترضنا أن المقصود هو مفاتح الغيب و أن هذا الغيب هو الغيب الدنيوى فما هو تعليل اضافة "لا يعلمها الا هو". الا اذا كان المقصود بالعلم هنا هو العلم الشامل المحيط و هو الحق و يؤكد ذلك ما جاء بعدها "وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ". و ما يدفع الشبهة أنه من المؤكد أن العرب قبل الوحى كان عندهم من العلمى التجريبى ما يستطيعون به تحديد ميعاد نزول المطر و كثير من الناس يموت فى قريته حسب توقعه و هذا بالطبع ظن. فالمعرفة العلمية بخواص الجنين و توقعات الأرصاد الجوية كانت مستخدمه منذ قديم الأزل بصورة أقل تطورا عما نعرفه الآن و لكنها لم تكن منعدمة تماما و ذلك كله يؤكد أن " لا يعلمها الا هو " تعود على العلم المحيط. يعضد من ذلك أن مفاتح الغيب تفتح علينا بعض الغيب سواء بالعلم الدنيوى أو بما يكشفه الله لمن ارتضى فهى ليست اذا الغيب الكامل

خلاصة ما فهمته أن مفاتح الغيب ليست هى الغيب بل هى مقاليد و مداخل للغيب و المقصود ب "لا يعلمها الا هو " هو العلم المحيط و يعضد هذا القول ما ذكر فى نفس الآية من شمولية علم الله سبحانه و تعالى و احاطته بدقائق الأمور. و لكن ما زال اشعر بأن تفسيرى ل "لا يعلمها الا هو" بالعلم المحيط غير مقنعة لى تماما لأن الله سبحانه و تعالى قصر العلم أى علم عليه سبحانه. و لكن بدون هذا التأويل يكون عندنا اشكال فى التفسيرين (فتح البارى و الشيخ رشيد رضا)

أرجو الافادة

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير