تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما يلاحظُ أنَّ المذهب الذي يميلُ إليه المفسر، سواءً أكانَ فِقْهاً، أم نَحْواً، أم عَقِيدَةً له أثرٌ في اختيارِ المفسِّرِ للمعنى، ويظهرُ بهذا الاختيارِ تكلُّفُ المفسِّرِ وتعسُّفُه، وتركُه للظَّاهرِ من أجلِ أن لا يخالفَ ما يعتقدُه.

كما أنَّ للمُعْتَقَدِ أثرًا في قصرِ معنى الآيةِ على المحتمَلِ الذي يناسبُ معتقد المؤلِّفِ دون غيرِه من المحتملاتِ الصحيحةِ الجائزِ حملُ الآيةِ عليها، ولا يكونُ في هذا الحَمْلِ أيُّ تناقضٍ. ومن أمثلةِ ذلكَ ما ورد في تفسيرِ قوله تعالى:?وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ? [الصَّافَّات:96]، فقد جعلَ بعضُ المعتزلةِ " ما " موصولةً، ويكون التقديرُ: خلقكم وخلق ما تعملونه من الأصنام (12).

ونفى أن تكون "ما" مصدريةً؛ لأن المعنى يكون: والله خلقكم وعملَكم، وهذا ينافي ما يعتقده المعتزلةُ من أنَّ الله لا يخلقُ الشَّر، وأنَّ العباد هم الذين خلقوا أفعالَهم.ولولا وجود هذه العقيدة، لما قصرَ معنى الآيةِ على هذا التَّوجيه دون غيرِه.

والمعنى محتملٌ لأن تكونَ " ما ": مصدريّةً، أو أن تكونَ موصولةً، ويكون المعنى: والله خلقكم، وخلق أعمالكم، وما عملتموه (13).

والمقصودُ أنَّ هذه المطوَّلاتِ تشتملُ على عدَّةِ اتجاهاتٍ علميَّةٍ تعرَّضَ لها المؤلِّفونَ، فمن أرادَ الإعرابَ والنَّحْوَ ـ بعد رجوعِه إلى كتبِ أعاريبِ القرآنِ ـ رجع إلى تفسير البحر المحيطِ لأبي حيانَ (ت: 754) النَّحويِّ، أو إلى كتاب تلميذِه السّمينِ الحلبيِّ (ت: 756) الدُّرِّ المصونِ في علومِ الكتابِ المكنونِ، وهما من أشملِ وأوسع ما كُتِبَ في إعراب القرآنِ.

هذا، ولا تخلو بعضُ المطوَّلاتِ من مسائلِ إعراب القرآنِ؛ كجامع البيان عن تأويلِ آي القرآنِ، للطَّبريِّ (ت: 310)، والبسيطِ في التَّفسيرِ، للواحديِّ (ت: 468)، والكشاف عن حقائق التَّنْزِيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزَّمخشريِّ (ت: 538)، والمحرَّرِ الوجيزِ في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطيَّةَ (ت: 542)، والجامع لأحكام القرآنِ، للقرطبيِّ (ت: 671)، وغرائبِ القرآنِ ورغائب الفرقانِ، للقُمِّي النَّيسابوريِّ (ت: 728)، وفتحِ القديرِ الجامع بين فَنَّي الرواية والدراية، للشوكانيِّ (ت: 1250)، وروح المعاني في تفسير القرآن العظيمِ والسَّبعِ المثاني، للآلوسيِّ (ت: 1270)، وغيرِها.

ومن أرادَ الإبانةَ عن فصاحةِ القرآنِ وبلاغتِه، رجعَ إلى الكشَّافِ، للزمخشريِّ (ت: 538)، والبحرِ المحيطِ، لأبي حيان الأندلسيِّ (ت: 745)، ونظمِ الدُّرر في تناسبِ الآي والسُّورِ، للبقاعيِّ (ت: 885)، وحاشية شيخ زاده على البيضاويِّ، لمحيي الدين مصطفى القوجوي (ت: 951)، وإرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريمِ، للقاضي أبي السعودِ (ت: 951)، والسِّراجِ المنير للخطيب الشربيني (ت: 977)، وعناية القاضي وكفاية الراضي المعروف بحاشية الشهاب الخفاجي، لأحمد بن محمد الخفاجي (ت: 1069)، والفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفيَّةِ، المعروف بحاشية الجمل على الجلالين، لسليمان بن عمر العجلي الشهير بالجمل (ت:1204)، وروح المعاني، للآلوسيِّ (ت: 1270)، ومحاسن التأويل لمحمد جمال الدين القاسميِّ (ت: 1332)، والتحرير والتنويرِ، للطاهر بن عاشور (ت: 1393).

وهكذا كتبُ التَّفسيرِ، تجدُ في مجموعةٍ من الكتبِ ما لا تجدُه في غيرِها، فمنهم من اعتنى أكثرَ من غيرِه بتفسيرِ القرآنِ بالقرآنِ، ومنهم من اعتنى بالسُّنَّةِ النَّبويَّةِ واستفاد منها في تفسيرِه، ومنهم من اعتنى بإيرادِ آثارِ السَّلفِ في التَّفسيرِ، ومنهم من اعتنى بالأحكامِ، ومنهم من اعتنى باللطائف والنّكاتِ … الخ.


الحواشي
(1) ينظر على سبيل المثال، البحر المحيط، نشر المكتبة التجارية (1: 77، 214، 224، 250، 403، 568، 592).

(2) مثلاً، لو دُرِستْ عباراتُ السَّلفِ في نزولِ القرآنِ، وهل يلزم من قولهم: نزلت هذه الآيةُ بمكة، أو بالمدينة، أنهم لا يراعون تاريخ النُّزول؟ الذي يظهرُ أن من عبَّرَ بهذا التَّعبيرِ لا يُخالفُ اعتبارَ الزَّمانِ، وليسَ أصحابُ هذا التَّعبيرِ أصحابُ قولٍ آخر في المكي والمدني، تأمَّلْ هذا، وتحقَّق منه في تطبيقاتِ المكي والمدني عند السلفِ، فقد يظهر لك هذا.
(3) ينظر: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (13: 502).

(4) تفسير ابن عطية، ط: قطر (6: 272).

(5) عبد اللهِ بن أبي سرحٍ، أخو عثمان بن عفان من الرضاعة،كان من كُتَّابِ الوحي، ثُمَّ ارتدَّ، وكان يقول: ما كان محمد يكتب إلا ما شئتُ. وكان ذلك بسبب موافقته للتَّنْزيل في ختمِ آيةٍ، فأهدر الرسول دمه يوم الفتح، فجاء به عثمانُ تائباً، فأعرضَ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قبل توبته.

(6) تفسير ابن عطية، ط: قطر (6: 386 ـ 387).

(7) تفسير القرطبي (1: 3).

(8) المُنَّةُ: بفتح الميم وضَّمِّها: القوة، ينظر: القاموس المحيط، مادة (منن).

(9) تفسير القرطبي (1: 2 ـ 3).

(10) تفسير القرطبي (9: 134).

(11) كتب في ذلك ثمان مسائل، ينظر تفسير القرطبي (9: 134 ـ 138).

(12) ينظر في تأويل المعتزلة لهذه الآية: متشابه القرآن، لعبد الجبار الهمذاني (2: 580 ـ 587)، والكشاف، للزمخشري (3: 345 ـ 347)، ومجمع البيان، للطبرسي (23: 70).

(13) ينظر هذان الوجهان في تفسير الطبري، ط: الحلبي (23: 75).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير