[(خطوات في طريق تدبر القرآن)]
ـ[أبو سليمان البدراني]ــــــــ[17 - 06 - 05, 02:37 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين، و صلى و سلم على المبعوث رحمة للعالمين، و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد:
فإن تدبر القرآن هو غاية ما يحرص على تحصيله الموفقون من عباد الله منه، و ذلك لما يترتب على تحقيقه من غايات حميدة، و فوائد عزيزة، و عوائد نبيلة. يجدها من سلك هذا الطريق ...
و هذه خطوات تعين – بإذن الله – على تدبر القران الكريم، و النهل من معينه الصافي، و هي أشارت مختصرة، في عبارات موجزة، أسأل الله التوفيق فيها للصواب، و إلى الخطوات:
1 - استشعار أهمية تدبر القرآن، و أنه من أجل غايات إنزاله، و يحصل هذا من أمور؛ منها إدراك السر الذي لأجله جاء الحث على تدبر القرآن في غير ما موضع، قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا): [النساء82]، و قال: (أفلم يدبروا القول): [المؤمنون 68]، و قال: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر أولو الألباب): [ص 29]، و قال: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها): [محمد 24]، و الكلام على هذه المواضع يطول، لكن تأمل في الآية الأخيرة منها: تجد أن الله – تبارك و تعالى – حصر الناس في قسمين: إما متدبر للقرآن – على طاقته – أو أن على قلبه قفل! و العياذ بالله. ثم انظر في الموضع الذي قبله تجد أن الله – تبارك و تعالى – علل إنزال القرآن بأمرين: أولهما تدبره، و ثانيهما ما يحصل لأولي العقول من تذكر به، و هو إنما ينشأ عن التدبر، فعاد الأمر إلى التدبر.
ومما يعين على استشعار أهمية التدبر، أن يعلم أن لا يمكن له الوقوف على كنوز القرآن إلا بسلوكه هذا الطريق، فبقدر ما يمن الله عليه من تدبر كتابه يكون وقوفه على كنوزه، و ظفره بها، و أي كنوز أحق من أن يبذل في نيلها نفيس أوقات العمر من كنوز القرآن، و ما الأمر إلا كما قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – في المدارج: " سبحان الله! ماذا حرم المعرضون عن نصوص الوحي واقتباس العلم من مشكاته من كنوز الذخائر؟ وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر؟ ": [1/ 22]، و من أعجب العجب أن ترى بعض المنتسبين للعلم يبذلون نفائس من أوقاتهم في تحصيل علوم أن لم تضرهم قل ما تنفعهم في حين يعرضون عن كنوز القرآن، و ينبغي للموفق أن يسأل الله الهداية، و يستعيذه من الحرمان، و رحم الله ابن القيم حين قال في نونيته:
فتدبر القرآن إن رمت الهدى فالعلم تحت تدبر القرآن
فما أعظم العجب ممن يطلب العلم، و لا يطلبه من كنوز القرآن و السنة ... ، و إذا علم الموفق عظيم ما يطلب استرخص فيه ما يبذل ... ، و تأمل هذه المعاني يتجلى لك عظيم حرمان من أعرض عن تدبر القرآن بالشكل المطلوب.
و مما يعين على إدراك أهمية التدبر أن يستشعر العبد عظيم العلوم و المعارف التي يتحصل عليها بالتدبر، و أنت ترى هذا جلياً في العلماء الذين أولوا هذا الأمر عناية هامة، كشيخ الإسلام – رحمه الله – و غيره.
2 - بعد استشعار أهمية تدبر القرآن؛ ينبغي لمن أراد التدبر أن يعلم أن من أعظم ما يستغل به الوقت، و من أعظم ما ينال به العلم هو التدبر، و من العجب أن ترى بعض طلبة العلم يظنون أن بذل الوقت في التدبر معيق عن التحصيل الجيد!
3 - أن يبذل في التدبر نفيس وقته، و من رام الوقوف على كنوز القرآن بجعله تدبر القرآن في أوقات الإرهاق و نحوها، فقد أخطأ الطريق، بل ينبغي أن يجعل ساعة التدبر و التأمل في القرآن في الوقت الذي ينشط فيه عقله، و تفارقه الصوارف، ثم يكون مستحضرا لهذا في باقي وقته ... و لهذا من جرب التأمل في القرآن في الاعتكاف لما يحصل فيه من انفراد القلب بالقرآن و خلوه عن الصوارف؛ فإنه يقف على كنوز و علوم لم تكن تخطر على باله من قبل، و لذلك ربما وجدت أن كثيرا من التأملات اللطيفة في القرآن التي يذكرها بعض أهل العلم حصلت لهم في أوقات الخلوة من سجنٍ، و غيره ...
4 - أن يعلم أنه ليس من حرف في القرآن فأكثر إلا و في ذكره فائدة أدركها من أدركها، و حرمها من حرمها؛ فالفوائد تأخذ منه بأنواع الدلالات الثلاث: المطابقة، و التضمن، و الإلتزام، و هذا لا يوجد في كلامٍ سواه، إلا ما ثبت بحروفه من كلام النبي – صلى الله عليه و سلم – لعصمته، و إنك لتعجب من أناس يتعمقون في فهم دلالات ألفاظ البشر تعمقاً لا يفعلونه مع القرآن الكريم! و إذا استحضر المتدبر هذا الملحوظ انفتح له باب واسع في التدبر ...
5 - أن يستشعر حال قراءته للقرآن الكريم أنه وحده المخاطب به، وأنه وحده المعني به، فما ظنك بمن هذه حاله حين قراءة القرآن الكريم! لا شك أنه سيقرؤه قراءة متدبر متأمل، و عليه فإنه سيتعظ بقصصه، و يأتمر بأوامره، و ينتهي عن نواهيه و يتأدب بآدابه و ينهل من معينه. و العجب كل العجب مِن مَن بين يديه كلام ملك الأملاك ثم ينشغل عنه بكلام مماليكه! و لا شك أن من استحضر هذه النكتة سيقف على كنوز عظيمة إذا صحت له النية ...
5 - أن يسجل المتدبر في دفتره نفيس ما يحصل له من استنباط من خلال تدبره، فإنه سيغتبط به، و عليه أن يعرضها على كلام أهل العلم، فربما رأى من وافقه فيحمد الله على فضله، أو يقف على من نبه على خطأ استنباطه، فيستفيد منه، و كذلك يذاكر بها أقرانه من المعتنين بهذا الجانب ...
و بعد فهذه إشارات على طريق التدبر أستغفر الله من ما كان بها من زلل، و الله المستعان، و عليه التكلان، و الحمدلله رب العالمين
ملاحضة: المأمل من الإخوة إثراء هذا الموضوع الهام ...
¥