ثم قال: ويحسن هنا أن نورد ما ذكره الإمام الشوكاني من الضوابط التي تشخص العلاقة بين القرآن والقراءات حين قال:" والحاصل: أن ما اشتمل عليه المصحف الشريف، واتفق عليه القراء المشهورون فهو قرآن، وما اختلفوا فيه، فإن احتمل رسم المصحف قراءة كل واحد من المختلفين مع مطابقتها للوجه الإعرابي، والمعني العربي فهي قرآن كلها، وإن احتمل بعضها دون البعض، فإن صح إسناده ما لم يحتمله، وكانت موافقة للوجه الإعرابي والمعني العربي فهي شاذة ولها حكم أخبار الآحاد في الدلالة علي مدلولها، وسواء كانت من القراءات السبع أو ممن غيرها. وأما ما لم يصح إسناده مما لم يحتمله الرسم، فليس بقرآن ولا منزل منزلة أخبار الآحاد.
وأما انتفاء كونه قرآنا فظاهر، وأما انتفاء تنزيله منزلة أخبار الآحاد فلعدم صحة إسناده. وإن وافق المعني العربي والوجه الإعرابي فلا اعتبار بمجرد الموافقة علي صحة الإسناد " إرشاد الفحول صـ30/ 31
أضف إلي ذلك: أننا إذا قرأنا ختمة لابن كثير، وختمة ثانية له، وثالثة لنافع، فالذي يترتب علي أي قراءة ختمة هو القرآن الواحد (الشخص) وتكرر الختمة الواحدة عن غيرها جاء من مقارنة الواحد بغيرها.
وبصرف النظر عن اختلافها هذا لا يتطرق إلي الذهن اختلاف فليس هناك جوهر اختلاف، وسواء صرفنا النظر أو لم نصرف فالنظر لا يري إلا أن القرآن المترتب علي قراءة من تلك واحد، وإن تكرره بتكرارها ـ اختلافها أيضا ـ لم يجعله مختلفا أو متعددا أو لم يجعله شيئا آخر غير الواحد المتشخص، بل هو كما قررناه واحد بالشخص مع كل ذلك.
وختاما أقول: إن التلازم بين القرءان والقراءة ـ أية جمع عليها نجعلنا لا نهتم بالفرق بن القراءة وقرآنها إلا لنقول احترام هذا من ذاك ولا مناص."أ. هـ صـ 20: 22 بتصرف
2ـ قالوا: لا إشكال ولا نزاع بين المسلمين في تواتر القرآن أما القراءات فوقع فيها النزاع والمشهور أنها متواترة." ا. هـ
الجواب: نوافقك في ذلك حيث استفاضت هذه الأوجه وانتشرت وقبلها الناس. وهذه القراءات متواترة في الأقطار، ويكفي ذلك تواترا.
3ـ قالوا: إن بعض من يقرر تواتر القراءات يستدل بما يفيد تواتر القرآن وهو أن القرآن قد انتشر في كل بلد وتلقاه من كل طبقة العدد الكثير عمن فوقهم وهكذا مما يتحقق به شرط التواتر، وفي هذا نظر لا يخفى".ا. هـ
الجواب: نقل ابن الجزري عن أبي شامة قائلا:" (قال) الإمام الكبير أبو شامة في "مرشده": وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي كل فرد ما روى عن هؤلاء الأئمة السبعة قالوا والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب ونحن بهذا نقول ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.
(وقال) الشيخ أبو محمد إبراهيم بن عمر الجعبري أقول: الشرط واحد وهو صحة النقل ويلزم الآخران فهذا ضابط يعرف ما هو من الأحرف السبعة وغيرها: فمن أحكم معرفة حال النقلة وأمعن في العربية وأتقن الرسم انحلت له هذه الشبهة.
(وقال) الإمام أبو محمد مكي في مصنفه الذي ألحقه بكتابه "الكشف" له: فإن سأل سائل فقال: فما الذي يقبل من القرآن الآن فيقرأ به وما الذي لا يقبل ولا يقرأ به وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟ فالجواب أن جميع ما روى في القرآن على ثلاثة أقسام: قسم يقرأ به اليوم وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال وهنّ أن ينقل عن الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغاً ويكون موافقاً لخط المصحف فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به وقطع على مغيبه وصحته وصدقه لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقة خط المصحف وكفر من جحده، قال (والقسم الثاني) ما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف فهذا يقبل ولا يقرأ به لعلتين: إحداهما: أنه لم يؤخذ بإجماع إنما أخذ بأخبار الآحاد ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد.
¥