تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأصل عند المحققين إذا تعذر التأويل حمل الظَنِّي المُتشابه اللفظ على الجلي المطابق للواقع, وتوهم امتداد الأطوار لأشهر أربع تدفعه رواية حذيفة بن أسيد: (إذا مرّ بالنُّطفة سنتان وأربعونَ ليلةً) الحديث؛ وفيه تقع كل أطوار بدايات الأعضاء (نطفة وعلقة ومضغة) عند 42 ليلة (ستة أسابيع)؛ وتتكون بالفعل بدايات العظام في الأسبوع السابع والعضلات في الثامن, وفي رواية عن ابن مسعودٍ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ النطفةَ إذا استقرَّت في الرَّحمِ تكونُ أربعينَ ليلةً ثم تكونُ علقةً أربعينَ ليلةً ثمَّ تكون مضغة أربعين ليلة ثم تكونُ عظاماً أربعين ليلةً ثم يكسو الله العظامَ لحماً", قال ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795 هـ في جامع العلوم والحكم (ج6ص8): "رواية الإمام أحمد (هذه) تدلُّ على أنَّ الجنين لا يُكسى اللَّحمَ إلاَّ بعد مئةٍ وستِّين يوماً, وهذه غلطٌ بلا ريبَ فإنَّه بعد مئة وعشرينَ يوماً يُنفخُ فيه الرُّوحُ بلا ريب .. , وعلي بنُ زيدٍ هو ابنُ جُدْعان لا يحتجُّ به, وقد ورد في حديث حذيفة بن أسيدٍ ما يدلُّ على خلقِ اللَّحمِ والعِظام في أوَّلِ الأربعين الثانية, ففي صحيح مسلم عن حُذيفة بن أسيدٍ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قال: (إذا مرّ بالنُّطفة سنتان وأربعونَ ليلةً بعثَ الله إليها مَلَكاً فصوَّرها وخلق سمعها وبصرَها وجِلدَها ولحمَها وعِظامَها ثُمَّ قال: يا ربِّ أذكرٌ أم أُنثى؟ , فيَقضي ربُّك ما شاءَ ويكتبُ الملَكُ) ".

وتلك الروايات إذن تفسيرية تؤكد الأطوار بنفس ألفاظ القرآن الكريم, ويُمكن تأويلها بوجه يدفع وهم مخالفة الواقع, ومضمونها التأكيد على موعد نفخ الروح عند أربعة أشهر؛ فتكون العشرة أيام في حكم عدة الوفاة طهر بعد حوالي أربعة أيام حيض؛ وهذا يعني أن تلك الروايات التفسيرية تأكيد للمعرفة بوقوع الحمل في منتصف الدورات كأحد دلائل النبوة الخاتمة.

(ثالثا) الإجهاض المتعمد هدم لمشروع الوليد:

لو وُضِعَ الأساس لمشروع عمارة متعددة الأدوار؛ فلم يكن سوى أساس الدور الأول والأعمدة بلا جدران, وجاء أحدهم وأطاح بالأعمدة وهدم الأساس متعمدًا؛ ألا تناله عقوبة ويلزمه التعويض! , وكلما زاد البناء وتعددت الأدوار؛ ألا تتضاعف العقوبة ويزداد التعويض! , هكذا رأي جمهور الفقهاء أنه كلما تقدمت أطوار تخليق جنين الإنسان تضاعفت العقوبة وزاد التعويض لهدم مشروح الوليد ومنع بلوغه الكمال بالاعتداء عليه وتعمد الإجهاض Abortion بغير اضطرار, والضرورة تقدر بقدرها, ولا يُدرك الإجهاض إذا وقع بعد أسبوعين من وقوع الحمل لأنه يُشتبه غالبا مع الحيض التالي, وقد لا يُدرك الحمل كذلك إلا بعد مرور موعد الحيض التالي بفترة معتبرة فيكون الجنين قد تجاوز طور النطفة والعلقة, وهذا يعني أن الإجهاض لا يُتَبَيَّن غالبا إلا والسِّقط قد أصبح مضغة أو أكثر تقدما؛ مما يضيق أكثر على أعذار الإجهاض.

ويُجمع العلماء على تحريم الإجهاض المتعمد بعد مائةٍ وعشرين يومًا مِن بدءِ الحمل حيث تبلغ شدة المنع ذروتها باتضاح حركة الجنين, وفي كتاب القوانين الفقهية لابن جزي المتوفى سنة 741 هـ (ص212): "إذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح؛ فإنه قتل نفس إجماعاً", وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المتوفى سنة 1421 هـ (رحمهم الله تعالى جميعا) في لقاءات الباب المفتوح: "إسقاط الجنين إن كان بعد نفخ الروح فيه فإنه لا يجوز إسقاطه بأي حال من الأحوال .. , (و) قبل أن تنفخ فيه الروح لا شك أنه يختلف بحسب بلوغ الجنين؛ فهو أول ما يكون نطفة أهون ثم إذا كان علقة صار إسقاطه أشد، ثم إذا كان مضغة صار إسقاطه أشد".

فكما ترى؛ الأصل هو منع الإجهاض في أي طور كان الجنين والضرورة استثناء, والمنع مع التيقن من حركة الجنين أولى؛ سواء كانت مُرَاد التعبير بالتمثيل "نفخ الروح" أو علامة عليه, وموعدها في الشريعة والطب لا خلاف عليه, ومجمل القول إذن أن معالجة وهم امتداد أطوار التخليق إلى أربعة أشهر تتطلب محاولة الجمع بين الروايات والترجيح في ضوء الحقائق العلمية القاطعة؛ وليس بالتشكيك في موعد الحركة الإرادية الثابت بالوحي والموافق للواقع, والله تعالى أعلم.

المراجع العلمية:

1. The Developing Human, Keith L. Moore, Fourth ed.,1988, Saunders Comp., Toronto, P: 7-11, 14.

2. Obstetrics and Gynaecology for Postgraduates, Charles Whitfield, 5th ed., 1995.

3. Obstetrics and Gynaecology, Tim Chard, 4th ed., 1995.

4. Medical Embryology, Jan Langman, 4th ed., 1981.

5. Human Male Fertility and Semen Analysis, Glover, Barratt, Tyler, Hennessey, 1990.

المراجع الدينية:

(ترقيم المكتبة الشاملة)

1. صحيح البخاري المتوفى سنة 256 هـ.

2. صحيح مسلم المتوفى سنة 261 هـ.

3. سنن البيهقي المتوفى سنة 458 هـ.

4. مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني المتوفى سنة 502 هـ

5. تفسير الرازي المتوفى سنة 606 هـ.

6. تفسير القرطبي المتوفى سنة 671 هـ.

7. تفسير النسفي المتوفى سنة 710 هـ.

8. تفسير النيسابوري المتوفى سنة 728 هـ.

9. القوانين الفقهية لابن جزي المتوفى سنة 741 هـ.

10. تفسير أبي حيان الأندلسي المتوفى سنة 745 هـ.

11. التفسير القيم لابن القيم المتوفى سنة 751هـ.

12. التبيان في أقسام القرآن لابن القيم المتوفى سنة 751 هـ.

13. تفسير ابن كثير المتوفى سنة 774 هـ.

14. جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795 هـ.

15. فتح الباري لابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ.

16. تفسير أبي المتوفى سنة 951هـ.

17. تفسير الخطيب الشربيني المتوفى سنة 977 هـ.

18. تفسير الشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ.

19. تفسير الألوسي المتوفى سنة 1270 هـ.

20. التفسير المنير لمحمد بن عمر نووي الجاوي المتوفى سنة 1316 هـ.

21. لقاءات الباب المفتوح لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المتوفى سنة 1421 هـ.

22. قاموس الكتاب المقدس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير