تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اللّفظية ومناسبته لجبر خاطر الرّجل وذلك من رحمته صلّى اللّه عليه وسلمّ وكريم أخلاقه .. «مجالس التّذكير [من كلام الحكيم الخبير ـ ص 373].

تجويزابن باديس رحمه اللّه للتّوسّل بذات النبي $

قال الشّيخ "ابن باديس" في معرض حديثه عن التّوسّل شارحا حديث الأعمى: (لم يدع الأعمى النّبيّ صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلّم، ولم يسأله أن يشفيه هو لأنّ الدّعاء لقضاء الحوائج وكشف البلايا ونحو ذلك هو العبادة، وفي حديث النّعمان بن بشير المرفوع: (الدّعاء هو العبادة) رواه أحمد وأصحاب السّنن، والعبادة لا تكون إلاّ للّه لم يدعه لا وحده ولا مع اللّه لأنّ الدّعاء لا يكون إلاّ للّه، وهذا بخلاف ما يفعله الجهّال والضّلال من طلبهم من المخلوقين من الأحياء والأموات أن يعطوهم مطالبهم ويكشفوا عنهم بلاياهم، وإنّما سأله أن يدعو اللّه تعالى أن يُعَافيه وهذا جائز أن يسأل المؤمن من أخيه في حال حياته أن يدعو اللّه تعالى له، ومن هذا حديث البخاري في سؤال أم أنس بن مالك من النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يدعو لأنس خادمه فدعا له، ومن هذا ما رواه التّرمذي وأبو دار عن عمر بن الخّطاب قال استأذنت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في العمرة فأذن لي وقال: اشركنا يا أخي في دعائك ولا تنسنا، زاد في رواية التّرمذي فقال كلمة ما يسّرني أنّ لي بها الدّنيا، يعني قوله اشركنا إلخ، ثمّ أنّه توسّل بذاته بحسب مقامه عند ربّه، وهذا على الوجه الأوّل من الوجهين المتقدّمين في فصل التّراكيب، أو توسّل بدعائه، وهذا على الوجه الثّاني منهما .. فمن أخذ بالوجه الأوّل قال يجوز التّوسّل بذاته، ومن أخذ بالوجه الثّاني قال: إنّما يتوسّل بدعائه، ثمّ إنّ من أخذ بالوجه الأوّل فهذا الدّعاء حكمه باق بعد وفاته كما كان في حياته، ومن أخذ بالوجه الثّاني لا يكون بعد وفاته لأنّ دعاءه إنّما كان في حياته لمن دعا له، فالوجهان المتقدّمان كما ترى هما مثار الخلاف في جواز التّوسّل بذاته وعدم جوازه، فمن أخذ بالوجه الأوّل جوّز ومن أخذ بالثّاني منع .. ) (مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير) [ص 42].

وبعد عرضه للخلاف بين المجوّزين للتّوسّل في الوجه الأوّل والمانعين له في الوجه الثّاني يواصل الشّيخ "ابن باديس" كلامه سائلا ومجيبا في آن واحد بالطّريقة الآتية: (سؤال: فإن قلت قد عرفنا القولين وعرفنا مدركهما فما هو الرّاجح عندك منهما؟

جوابه: الرّاجح هو الوجه الأوّل الّذي يجيز التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نظرا لمقامه العظيم عند ربّه لوجهين، الأوّل: أنّ ذلك هو ظاهر اللّفظ ولا موجب للتّقدير ولا منافاة بين أن يكون في قوله أسألك وأتوجّه إليك بنبّيك وقوله إنّي توجّهت بك قد سأل بذاته، وفي قوله اللّهم شفّعه فيّ قد سأل قبول دعائه له وسؤاله .. والثّاني أنّه لمّا كان جائزا السّؤال من المخلوقين بما له مقام عظيم عندهم فلا مانع من أن يسأل اللّه تعالى بنبيّه بحسب مقامه العظيم عنده) (مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير) [ص 43].

ثمّ يبيّن "ابن باديس" موقف الصّحابة من التّوسّل بطريقة السّؤال والجواب فيقول:

(سؤال آخر: بعدما عرفنا رجحان سؤاله تعالى بالأسماء والصّفات والطّاعات، فهل ثبت عن الصّحابة سؤالهم وتوسّلهم بذاته؟.

جوابه: لم يثبت عن واحد منهم شيء من ذلك فيما لدينا من كتب السّنة المشهورة بل ثبت عدولهم عن ذلك في وقت مقتضٍ له لو كانوا يفعلونه، وذلك في حديث استسقاء عمر بالعبّاس رضيّ اللّه تعالى عنهما. فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أنس: أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب فقال: اللّهم إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، قال: فيسقون. ومعنى الحديث أنّهم كانوا يتوسّلون بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو لهم في الاستسقاء ويدعون، ثمّ صاروا يتوسّلون بالعباس فيدعو لهم ويدعون، فالتّوسّل هنا قطعا بدعائهما لا بذاتهما .. ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مرجوحية التّوسّل بالذّات: أنّ الصّحابة لم يقولوا في موقفهم ذلك: اللّهم إنّا نتوسّل إليك بنبيّنا أيّ بذاته ومقامه، بل عدلوا عن ذلك إلى التّوسّل بالعبّاس يدعو لهم ويدعون كما كان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير