تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

السّنوسييّن ببرقة، الّذي جاهد عشرين عاما دفاعا عن بيضة الإسلام وكرامة الوطن ضدّ الطّغاة المستعبدين، ولم تترك السّلطة الإيطاليّة من وسيلة سافلة وحشيّة إلاّ ارتكبتها لإخماد مقاومته، فأغلقت سائر زوايا السّنوسيّة في البلاد، و صادرت أملاكها ثمّ حصرت ثمانين ألفا من بقايا السّكان الّذين نجوا من المذابح وفظائع القتال الإيطالي، ضمن منطقة محاطة بالأسلاك الشّائكة كي لا يلتحقوا "بعمر المختار"، وأقامت على التّخوم المصريّة حراسة شديدة جدّا، كلّ ذلك وصنديد برقة رابض لا يأخذه في سبيل اللّه ضعف ولا وهن وكان يجول في ميادين القتال ممتطيّا صهوة جوادهِ الأدهم، وقد وهن عظمه ولم يتدارك الوهن قلبه، واشتعل رأسه شيبا واكتست لحيته لون القمر، وما استطاعت الثّمانون عاما الّتي قضاها في طاعة اللّه وجهاد في سبيله أن تقوِّس له ظهرا أو تضع له هامة .. إلى أن أقام له الإيطاليون كمينا، فأسروه إثر قتال عنيف وأبت الوحشيّة الإيطالية إلاّ أن تقيم برهانا جديدا على فقدها كلّ شرف وتجرّدها عن كلّ عاطفة نبيلة، فحكمت عليه حالا بالإعدام، ونفّذت ذلك الحكم رميا بالرّصاص.

ألا في سبيل تلك الرّوح الطّاهرة النّقيّة الّتي رجعت إلى ربّها راضية مرضيّة، تستنزل نقمته وسوط عذابه على أدناس الاستعمار الإيطالي المتكالبين، وما اللّه بغافل عمّا يعمل الظّالمون وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون «آثار الإمام "عبد الحميد بن باديس"، [3/ 75 - 76].

وانظر إليه وهو في قمّة حزنه على غلق الزّوايا السّنوسيّة حينما قال:» ولم تترك السّلطة الإيطاليّة من وسيلة سافلة وحشيّة إلاّ ارتكبتها لإخماد مقاومته فأغلقت سائر زوايا السّنوسيّة في البلاد وصادرت أملاكها ... «.

وهذا تناقض منه إذ أنّه إبّان فرحه باعتلاء (أتاتورك) السّلطة أظهر سروره لإسقاط دولة التّصوف، والآن يتحسّر على غلق الزّوايا السّنوسيّة والّتي كانت معقلا للتّصوّف وعشّا لبدعة الطّرائق والطّرقيّة.

فائدة: هذا السّنوسيّ قد سُئل عنه أبناء الشّيخ "محمّد بن عبد الوهَاب"، والشّيخ "حمد بن ناصر بن معمر" رحمهما اللّه، فقال السّائل: السّنوسّي المغربي مصنّف السّنوسيّة المعروفة بـ "علم الصّفات"، فهل تنقمون عليه شيئا من ذلك ... إلخ؟ فكان جوابهم أنّ السّنوسّي ليس من أئمّة السّنة والجماعة، فإنّ أهل السّنة والجماعة هم الّذين نعتهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا ذكر أنّ بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلّها في النّار إلاّ واحدة، قالوا: من هي يا رسول اللّه؟ قال: " من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"، والسّنوسيّ المذكور صنّف كتابه "أمّ البراهين" على مذهب الأشاعرة، وفيها أشياء كثيرة مخالفة ما عليه أهل السّنة، فإنّ الأشاعرة خالفوا ما عليه السّلف الصّالح في مسائل، منها: مسألة العلوّ ومسألة الصّفات، ومسألة الحرف والصّوت .... إلخ جوابهم) (عقيدة الشّيخ "محمّد بن عبد الوهّاب" السّلفية وأثرها في العالم الإسلامي) ـ للشّيخ "صالح بن عبد اللّه العبّود"، [2/ 465].

(عنوان1 احتفال ابن باديس بأمور مبتدعة)

لقد ساهم "ابن باديس" رحمه اللّه في إحياء أمور غير واردة بالمرّة، فتجده يبتدع مناسبات ما أنزل اللّه بها من سلطان، من ذلك:

1/أنّه أقام للنّاس حفلة خاصّة بمناسبة ختم تدريسه للموطأ للإمام مالك رحمه اللّه، ولقد أقام "ابن باديس" ومن معه حفلة كبيرة وصفها أحد الحاضرين، فقال عن ذلك ما نصّه: (قبيل الاحتفال وجّهت مراسيم الدّعوة الخاصّة للعلماء والأدباء والأعيان من عمالة قسنطينة مصحوبة ببيان الزّمان والمكان، وتألّفت لجنة أدبيّة للنّظر في شؤون الحفلة وكانت متشكّلة من: الأديب النّاشط السّيد "أحمد بوشمال" مدير مجلّة "الشّهاب" الغَرّاء، وأساتذة مدرسة التّربيّة والتّعليم، وكاتب هذه السّطور وفي قاعة مكتب المدرسة قرّرت الّلجنة برنامجها الأدبي مساء يوم الإثنين على السّاعة الثّامنة، وما كادت الشّمس تجنح للغروب أصيل يوم الأربعاء حادي عشر ربيع الثّاني حتّى تقاطرت وفود الدّعوة على مدرسة التّربيّة والتّعليم المحروسة حيث وجدوا إخوانهم القسنطنيين ينتظرون قدومهم السّعيد بمزيد التّشوّق، فتهلّلت الوجوه، وتفتّحت الشّفاه ببسمات المودّة واللّقاء ونطقت الألسنة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير