تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجميع ما ذكره لا ينازع في صحته حتى انتهى إلى ذكر ورش الراوي عن نافع، ثم قال: (فإذا كان ذلك واضحًا في علمِ القراءةِ، فإن علم التفسير لم يوجد له كتبٌ تخصُّ طبقات المفسرين وتنقدُ روايتهم على وجه الخصوصِ، بخلاف ما وُجِدَ من علم القراءة الذي تميَّزَ تميُّزًا واضحًا عند الترجمة لأحد القراء كما تلاحظُ في الأمثلة السابقةِ. ولذا لا تجد في الكلام عن المفسرين سوى الإشارة إلى أنهم مفسرون دون التنبيه على إمامتهم فيه وضعفهم في غيره كما هو الحال في نقد القراء، وإذا قرأت في تراجم المحدثين ستجد مثل هذه العبارات: (المفسر، صاحب التفسير).

وأقول: ثم مثل بأمثلة جميعها ليس فيها غير أن الشخص كان مفسراً أو صاحب تفسير، وهذا في التحقيق لا يدل على شيء مما قدم له الشيخ أن الشخص يكون غير قوي في الحديث مع ثقته وإتقانه في فن آخر، فمجرد وصف أحدهم بكونه كان صاحب تفسير لا يعني أكثر من كونه كان له مؤلف فيه، أو أنه نقله أو نقل صحيفة فيه عن غيره. وليس في هذا تعديل ولا من وجه من الوجوه في فن التفسير. نعم هي زيادة وصف له تعني اعتناءه بهذا الفن، لكن أين في هذا ما يفيد للاعتماد عليه؟ ما هذا إلا كما يقال في آخر: (صاحب تاريخ)، فهذا لا يغني في الاعتماد عليه في التاريخ دون النظر في أهليته.

5 – قال الشيخ: (ولعلَّ مما يبيح تساهل التعامل مع أسانيد المفسرين من جهة الإسناد أن كثيرًا من روايات التفسير روايات كتبٍ، وليست روايات تلقين وحفظٍ؛ لأنك لا تكاد تجد اختلافًا بين ما رواه نقلة هذه المرويات بهذه الأسانيد).

وأقول: رواية الكتاب تحتاج إلى الثبوت كما تحتاجها رواية الحفظ سواء، والصحيفة إذا انتهت مثلاً إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فقد أتساهل مع أبي صالح كاتب الليث راويها وأقول روى كتاباً، وآخر لا يقبل في الأصل معاوية بن صالح، يتساهل معه في هذا لأنه كتاب، حتى يصل إلى علي بن أبي طلحة، فيقول: من أين له هذا عن ابن عباس، وهو لم يسمع منه؟ وكيف الصنيع بقول كقول أحمد بن صالح المصري حين سئل: "علي بن أبي طلحة ممن سمع التفسير؟ قال: من لا أحد"؟ أترى وجد تلك النسخة إن كانت كذلك عند آل ابن عبَّاسٍ؟ أم أخذها من بعض أصحابه؟ أم على قارعة الطريق؟ من بينه وبين ابن عباس فيها؟

والمقصود أن كونها نسخة لا يعطيها ميزة للقبول، إنما الكتاب الصحيح ميزة لقبول رواية من لم يكن متقن الحفظ إذا حدث منه، وليس هذا من ذاك.

6 – قال الشيخ: (اشتهر بعض هؤلاء الأعلام في التفسير إما رواية وإما دراية، ويجب أن لا ينجرَّ الحكم عليه في مجال الرواية إلى مجال الدراية، بل التفريق بين الحالين هو الصواب، فتضعيف مفسر من جهة الرواية لا يعني تضعيفه من جهة الرأي والدراية، لذا يبقى لهم حكم المفسرين المعتبرين، ويحاكم قولهم من جهة المعنى، فإن كان فيه خطأ رُدَّ، وإن كان صوابًا قُبِلَ. إذا تأمَّلت هذه المسألة تأمُّلاً عقليًّا، فإنَّه سيظهر لك أنَّ الرأي لا يوصف بالكذب إنما يوصف بالخطأ، فأنت تناقش قول فلان من جهة صحته وخطئه في المعنى، لا من جهة كونه كاذبًا أو صادقًا؛ لأن ذلك ليس مقامه، وهذا يعني أنَّك لا ترفضُ هذه الآراء من جهة كون قائلها كذابًا في الرواية، إنما من جهة خطئها في التأويلِ).

أقول: هذا الكلام دقيق غاية، وحسن جداً، وأوافق الشيخ عليه دون تردد، لكني لا أقبل وصفه من بعدِ أن مثَّل بالكلبي ومقاتل في آخرين خير منهما من ضعفاء المفسرين: (هم من أعلام مفسري السلف) فهذا وصف لا يخلو من اعتبار القدوة، ووالله ما مثل الكلبي ومقاتل يصلحان ههنا.

ومثَّل الشيخ بمثال أخذه على الشيخ حكمت بشير، وهو مثال جيد، وأنا أوافق الشيخ الطيار على ما قال.

7 – هذه النقطة السابعة أوافق الشيخ الطيار على ما ذكر فيها في أنه لا ينبغي اطراح ما في كتب التفسير من النقل تشدداً في نقل الأسانيد، لكني أقول: فيما كان من قبيل ما ذكر في الفقرة السابقة، وممن لم يوصف بالكذب من الضعفاء.

فإننا نستغني عن كلام مقاتل والكلبي ونستفيد من كلام سائر من حكي عنه التفسير من السلف، والثقات فضلاً عن الضعفاء فيهم كثر، فأين تفسير مجاهد؟ وأين الأسانيد الثابتة عن ابن عباس؟ وأين تفسير السدِّي؟ في ذلك تركة كبيرة وخير كثير. وهذا ابن جرير ما أعظم تفسيره، وما أقل ما أخرجه لصنف الكلبي؟

كذلك يجب اعتبار الفصل بين تفسير أحدهم، وبين نقله، فالنقل تجري فيه قواعد النقد، ويمكن أن يقع فيه التسهل، لكن بالنظر إلى ما يرجع إليه نوع ذلك النقل، فإن كان منتهاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفد حكماً جرت فيه شروط التخفيف في رواية الضعيف، وإن أفاد حكماً فلا والله حتى يثبت النقل دون شبهة، وإن انتهى إلى الصحابة كابن عباس وغيره فلا يخلو من أن يكون بيان لفظ فلا إشكال في قبوله ويكون من قبيل الرأي، وإن كان سبب نزول ولم يفد حكماً أمكن التسهل فيه، أما إن كان مثله لا يقال بالرأي فحكمه حكم الحديث المرفوع.

فهذا إن أتينا عليه على هذا الوجه خلص لنا منه تفسير كبير لكتاب الله، وهو الذي نجده في المأثور بحمد الله.

ثم ما ذكره الشيخ حتى الفقرة العاشرة في كلامه صحيح لا إشكال فيه.

هذه إشارات والله المستعان.

وكتب

عبدالله بن يوسف الجديع

في 17/ 4/1426

الموافق 25/ 5/2005

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير