ـ عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الكبائر والفسق، فإنه سيجيء من بعدي أقوام يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية، والنوح لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم، وقلوب الذين يعجبهم شأنهم " (أخرجه الطبراني في الكبير، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، ومال ابن القيم إلى الاحتجاج به)
ووجه الدلالة منه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقراءة القرآن الكريم، وفقاً لطريقة العرب في تحسين أصواتهم به، وحذر من اتباع أهل الفسق في طرائقهم المتبعة في قراءته، من مراعاة الأنغام والتطريب المستفاد من الموسيقى التي تصحب الغناء غالبا، أو يطرب لها من يسمعها، ويبالغ أربابها في إتقانها.
ـ وعن عبس الغفاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أشراط الساعة، وذكر أشياء، منها: " أن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم غناء " أخرجه الطبراني في الأوسط.
ووجه الدلالة منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم عدَّ الافتتان بالتطريب بالقرآن والتغني به على أوزان الألحان من علامات الساعة، وهذا غاية في الإنكار.
- روي أن زياد النهدي جاء إلى أنس رضي الله عنه مع القراء، فقيل له: اقرأ، فرفع زياد صوته بالقراءة وطرب، وكان رفيع الصوت، فكشف أنس عن وجهه - وكان على وجهه خرقة سوداء - وقال: يا هذا ما هكذا كانوا يفعلون، وكان أنس إذا رأى شيئاً ينكره رفع الخرقة عن وجهه" انظر: زاد المعاد في هذي خير العباد لابن القيم 1/ 137
ووجه الدلالة منه:
أنّ أنساً رضي الله عنه أنكر على زياد تطريبه بالقراءة، وبيَّن له أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لم يكونوا يفعلونه في قراءتهم للقرآن الكريم، وهذا منهم لا يكون إلا عن توقيف، لأنه لا مدخل للرأي فيه.
- أنّ التطريب بالقراءة, وتكلّف أوزان أهل الغناء فيها, يتضمن -عادة- همز ما ليس بمهموز، ومد ما ليس بممدود، وترجيع الألف الواحدة ألفات، والواو واوات، والياء ياءات، فيؤدي هذا إلى زيادة في القرآن الكريم، وهو غير جائز.
- أنّ هذه الألحان المبتدعة المطربة تهيج الطباع، وتلهي عن تدبّر ما يحصل له من الاستماع حتى يصير التلذذ بمجرد سماع النغمات الموزونة والأصوات المطربة، وذلك يمنع المقصود من تدبر معاني القرآن.
وإنما وردت السنة بتحسين الصوت بالقرآن، لا بقراءة الألحان، وبينهما بون بعيد
- أنكر جمهور السلف رحمهم الله القراءة بالألحان وأوزان أهل الغناء, وعدّوها من البدع المحدثة, وهذه بعض الآثار في ذلك:
- عن يعقوب الهاشمي، قال: سمعت أبي أنه سأل أبا عبد الله عن القراءة بالألحان، فقال: «هو بدعة ومحدث، قلت: تكرهه يا أبا عبد الله -أي: الإمام أحمد-؟ قال: نعم، أكرهه، إلا ما كان من طبع، كما كان أبو موسى، فأما من يتعلمه بالألحان فمكروه. قلت: إن محمد بن سعيد الترمذي ذكر أنه قرأ ليحيى بن سعيد، فقال: صدقت، كان قرأ له، وقال: قراءة القرآن بالألحان مكروه» رواه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- وعن عبد الرحمن المتطبب، يقول: قلت لأبي عبد الله في قراءة الألحان؟ فقال: (يا أبا الفضل، اتخذوه أغاني، اتخذوه أغاني، لا تسمع من هؤلاء.)
- وكان محمد بن الهيثم، يقول: (لأن أسمع الغناء أحب إلي من أن أسمع قراءة الألحان) رواه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما ورد ذم القراءة بألحان العجم عن كثير من علماء السلف ـ رحمهم الله:
ـ قال شيخ الإسلام رحمه الله في الإستقامة (1/ 246): (ومع هذا فلا يسوغ أن يقرأ القرآن بألحان الغناء ولا أن يقرن به من الألحان ما يقرن بالغناء من الآلات وغيره) انتهى.
ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المستدرك على مجموع الفتاوى 3/ 105: "قراءة القرآن بصفة التلحين الذي يشبه تلحين الغناء مكروه مبتدع، كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من الأئمة" انتهى.
¥