ـ[نافع أبو نور]ــــــــ[06 - 05 - 10, 04:24 ص]ـ
قال الشيخ الإمام محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره "التحرير و التنوير" في باب "الكلام على البسملة" - المجلد1، الجزء1، الصفحات من 137 إلى 146:
البسملة اسم لكلمة باسم الله صيغ هذا الاسم على مادة مؤلفة من حروف الكلمتين (باسم) و (الله) على طريقة تسمى النحت وهو صوغ فعل مضي على زنة " فعلل " مؤلفة مادته من حروف جملة أو حروف مركب إضافي مما ينطق به الناس اختصارا عن ذكر الجملة كلها لقصد التخفيف لكثرة دوران ذلك على الألسنة. وقد استعمل العرب النحت في النسب إلى الجملة أو المراكب إذا كان في النسب إلى صدر ذلك أو إلى عجزه التباس كما قالوا في النسبة إلى عبد شمس " عبشمي " خشية الالتباس بالنسب إلى عبد أو إلى شمس وفي النسبة إلى عبد الدار " عبدري " كذلك والى حضرموت " حضرمي " قال سيبويه في باب الإضافة " أي النسب " إلى المضاف من الأسماء: " وقد يجعلون للنسب في الإضافة اسما بمنزلة جعفري ويجعلون فيه من حروف الأول والآخر ولا يخرجونه من حروفهما ليعرف " اه فجاء من خلفهم من مولدي العرب واستعملوا هذه الطريقة في حكاية الجمل التي يكثر دورانها في الألسنة لقصد الاختصار وذلك من صدر الإسلام فصارت الطريقة عربية. قال الراعي:
قوم على الإسلام لما يمنعوا ... ماعونهم ويضيعوا التهليلا
أي لم يتركوا قول " لا إله إلا الله ". وقال عمر بن أبي ربيعة:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها ... ألا حبذا ذاك الحبيب المبسمل
أي قالت بسم الله فرقا منه فأصل بسمل قال: بسم الله ثم أطلقه المولدون على قول: بسم الله الرحمن الرحيم اكتفاء واعتمادا على الشهرة وإن كان هذا المنحوت خليا من الحاء والراء اللذين هما من حروف الرحمان الرحيم فشاع قولهم: بسمل في معنى قال: بسم الله الرحمن الرحيم واشتق من فعل بسمل مصدر هو " البسملة " كما اشتق من هلل مصدر هو " الهيللة " وهو مصدر قياسي لفعلل. واشتق منه اسم فاعل في بيت عمر بن أبي ربيعة ولم يسمع اشتقاق اسم مفعول.
ورأيت في شرح ابن هارون التونسي على مختصر ابن الحاجب في باب الأذان عن المطرز في كتاب اليواقيت: الأفعال التي نحتت من أسمائها سبعة: بسمل في بسم الله وسبحل في سبحان الله وحيعل في حي على الصلاة وحوقل في لا حول ولا قوة إلا بالله وحمدل في الحمد لله وهلل في لا إله إلا الله وجيعل إذا قال جعلت فداك وزاد الطيقلة في أطال الله بقاءك والدمعزة في أدام الله عزك
ولما كان كثير من أئمة الدين قائلا بأنها آية من أوائل جميع السور غير براءة أو بعض السور تعين على المفسر أن يفسر معناها وحكمها وموقعها عند من عدوها آية من بعض السور. وينحصر الكلام عليها في ثلاثة مباحث:
الأول في بيان أهي آية من أوائل السور أم لا. الثاني في حكم الابتداء بها عند القراءة. الثالث في تفسير معناها المختص بها.
فأما المبحث الأول فهو أن لا خلاف بين المسلمين في أن لفظ بسم الله الرحمان الرحيم هو لفظ قرآني لأنه جزء آية من قوله تعالى (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) كما أنهم لم يختلفوا في أن الافتتاح بالتسمية في الأمور المهمة ذوات البال ورد في الإسلام وروي فيه حديث " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " لم يروه أصحاب السنن ولا المستدركات وقد وصف بأنه حسن وقال الجمهور إن البسملة رسمها الذين كتبوا المصاحف في أوائل السور ما عدا سورة براءة كما يؤخذ من محادثة ابن عباس مع عثمان وقد مضت في المقدمة الثامنة ولم يختلفوا في أنها كتبت في المصحف في أول سورة الفاتحة وذلك ليس موضع فصل السورة عما قبلها وإنما اختلفوا في أن البسملة هل هي آية من سورة الفاتحة ومن أوائل السور غير براءة بمعنى أن الاختلاف بينهم ليس في كونها قرآنا ولكنه في تكرر قرآنيتها كما أشار إليه ابن رشد الحفيد في البداية فذهب مالك والأوزاعي وفقهاء المدينة والشام والبصرة " وقيل باستثناء عبد الله بن عمرو ابن شهاب من فقهاء المدينة " إلى أنها ليست بآية من أوائل السور لكنها جزء آية من سورة النمل وذهب الشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وفقهاء مكة والكوفة غير أبي حنيفة إلى أنها آية في أول سورة الفاتحة خاصة وذهب عبد الله بن مبارك والشافعي في أحد قوليه وهو الأصح عنه إلى أنها
¥