تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن كثير: يقول تعالى: ? وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ? يا معشر اليهود ما حل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله، وخالفوا عهده وميثاقه، فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت، والقيام بأمره، إذ كان مشروعًا لهم، فتحيّلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت، بما وضعوا لها من الحبائل والبرك، قبل يوم السبت، على عادتها في الكثرة، فنشبت بتلك الحبائل والحيل، فلم تخلص منها يومها ذلك، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت فلما فعلوا ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة، وهي أشبه شيء بالأناسيّ، في الشكل الظاهر، وليست بإنسان حقيقة، فكذلك أعمال هؤلاء وحيلتهم، لما كانت مشابهة للحق في الظاهر، ومخالفة له في الباطن، كان جزاؤهم من جنس عملهم. وهذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف، حيث يقول تعالى: ? واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ?. القصة بكمالها.

وقوله تعالى: ? فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ?. قال ابن عباس: يعني: جَعَلْنَاهَا بما أحللنا بها من العقوبة، عبرة لما حولها من القرى، كما قال تعالى: ? وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ?.

وقوله تعالى: ? وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ?، أي: الذين من بعدهم إلى يوم القيامة. والله المستعان.

* * *

قوله عز وجل: ? وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) ?.

يقول تعالى: واذكروا: إذ قال موسى لقومه إن اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة، قال أبو العالية: كان رجل من بني إسرائيل، وكان غنيًا، ولم يكن له ولد، وكان له قريب، وكان وارثه، فقتله ليرثه، ثم ألقاه على مجمع الطريق، وأتى موسى عليه السلام، فقال له: إنه قريبي قتل، وإني إلى أمر عظيم، وإني لا أجد أحدًا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله. قال: فنادى موسى في الناس، فقال: أنشد الله، من كان عنده من هذا علم إلا يبيّنه لنا. فلم يكن عندهم علم، فأقبل القاتل على موسى عليه السلام، فقال له: أنت نبي الله، فسل لنا ربك أن يبيّن لنا. فسأل ربه، فأوحى الله: ? إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ? فعجبوا من ذلك، فقالوا: ? أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ?؟ ? قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ ?، يعني: لا هرمة ? وَلاَ بِكْرٌ ?، يعني: ولا صغيرة ? عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ? أي: نَصَفٌ بين البكر والهرمة. ? فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا ?، أي: صاف لونها، ? تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ?، أي: تعجب الناظرين. ? قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ ?، أي: لم يذللها العمل. ? وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ ?، يعني: وليست بذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث، يعني: ولا تعمل في الحرث. ? مُسَلَّمَةٌ ?، يعني: مسلمة من العيوب. ? لا شِيَةَ فِيهَا ? يقول: لا بياض فيها.

? قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ?. قال: ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها، لكانت إياها، ولكن شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: ? وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ?، لما هُدوا إليها أبدًا، فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعتت لهم، إلا عند عجوز، وعندها يتامى وهي القيّمة عليهم، فلما علمت أنه لا يزكوا لهم غيرها، أضعفت عليهم الثمن، فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة، وأنها سألت أضعاف ثمنها، فقال موسى: إن الله قد خفف عليكم فشددتم على أنفسكم فأعطوها رضاها وحكمها، ففعلوا، واشتروها، فذبحوها، فأمرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا عظمًا منها فيضربوا به القتيل، ففعلوا، فرجع إليه روحه، فسمى لهم قاتله، ثم عاد ميتًا كما كان، فأخذ قاتله، وهو الذي كان أتى موسى عليه السلام فشكا إليه فقتله الله على أسوأ عمله.

قوله عز وجل: ? قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ (68) ?.

يسألوه عن سنها فأخبرهم أنها نَصَفٌ بين الصغيرة والهرمة.

قوله عز وجل: ? قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) ?.

قال ابن عباس: ? فَاقِعٌ لَّوْنُهَا ? شديد الصفرة تكاد من صفرتها تَبْيَضُّ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير