تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن عباس في قوله تعالى: ? وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ ? الآية، وكان حين ذهب ملك سليمان ارتد فئام من الجن والإنس، واتبعوا الشهوات، فلما أرجع الله إلى سليمان ملكه، وقام الناس على الدين كما كان، وأن سليمان ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه، وتوفي سليمان عليه السلام حدثان ذلك، فظهر الإنس والجن على الكتب بعد وفاة سليمان، وقالوا: هذا كتاب من الله نزل على سليمان فأخفاه عنا، فأخذوا به فجعلوه دينًا جديدًا، فقال تعالى: ? وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ? الآية، واتبعوا الشهوات التي كانت تتلوا الشياطين، وهي المعازف واللعب، وكل شيء يصد عن ذكر الله.

وقال أيضًا: كان آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء يأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرًا وكفرًا، وقالوا: هذا الذي كان سليمان يعمل بها. قال: وكفره جهال الناس وسبوه، ووقف علماء الناس، فلم يزل جهال الناس يسبونه حتى أنزل الله على محمد ?: ? وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ ?.

وقوله تعالى: ? يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ?، أي: ويعلمون الذي أنزل على الملكين، أي: إلهامًا وعلمًا، فالإنزال هنا بمعنى: الإِلهام والتعليم.

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما وقع الناس من بعد آدم عليه السلام فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله، قالت الملائكة في السماء: يا رب هذا العالم الذي إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك، قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وركبوا الكفر وقتل النفس، وأكل المال الحرام، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم، فقيل: إنهم في غيب فلم يعذروهم، فقيل لهم: اختاروا من أفضلكم ملكين آمرهما وأنهاهما، فاختاروا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض وجعل لهما شهوات بني آدم، وأمرهما الله أن يعبداه ولا يشركا به شيئًا، ونهيا عن: قتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، وعن الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، فلبثا في الأرض زمانًا يحكمان بين الناس بالحق، وذلك في زمان إدريس عليه السلام، وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة على سائر الكواكب، وأنهما أتي لها، فخضعا لها في القول، وأرادها على نفسها، فأبت إلا أن يكونا على أمرها وعلى دينها، فسألاها عن دينها، فأخرجت لها صنمًا، فقالت: هذا أعبده: فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا، فذهبا فعبرا ما شاء الله، ثم أتيا عليها فأرادها على نفسها، ففعلت مثل ذلك، فذهبت ثم أتيا عليها، فأرادها على نفسها، فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم، قالت لهما: اختارا أحد الخلال الثلاث: إما أن تعبدا هذا الصنم، وإما أن تقتلا هذه النفس، وإما أن تشربا هذه الخمر، فقالا: كل هذا لا ينبغي، وأهون هذا شرب الخمر، فشربا الخمر فأخذت فيهما، فواقعا المرأة، فخشيا أن يخبر الإنسان عنهما، فقتلاه فلما ذهب عنهما السكر، وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة أراد أن يصعدا إلى السماء، فلم يستطيعا، وحيل بينهم وبين ذلك، وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه، فعجبوا كل العجب، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية، فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض، فنزل في ذلك: ? وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ?، فقيل لهما: اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، فقالا: أما عذاب الدنيا فإنه ينقطع ويذهب، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له. فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل فهما يعذبان).

قال ابن كثير: فهذا أقرب ما روي في شأن الزهرة. والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير