تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ? إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ?، وهذه الآية كقوله تعالى: ? قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ?.

قال البغوي: ولحم الخنزير أراد به جميع أجزائه، فعبر عن ذلك باللحم لأنه معظمه ? وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ?، أي: ما ذبح للأصنام والطواغيت. وقال الربيع بن أنس: ما ذكر عليه اسم غير الله.

وقوله تعالى: ? فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ?، أي: في أكل ذلك في غير بغي ولا عدوان، وهو مجاوزة الحد. قال قتادة: ? فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ?. قال: غير باغ في الميتة، أي: في أكله أن يتعدى حلالاً إلى حرام، وهو يجد عنه مندوحة. وقال السدي: أما باغ فيبغي فيه شهوته، وأما العادي فيتعدى في أكله، يأكل حتى يشبع، ولكن ليأكل منه قوتًا ما يمسك به نفسه، حتى يبلغ به حاجته.

وقوله تعالى: ? إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ ?، أي: لمن أكل في حال الاضطرار ? رَّحِيمٌ ? حيث رخص للعباد في ذلك. وعن عباد بن شُرَحبيل الغُبَري قال: (أصابتنا عامًا مخمصة، فأتيت المدينة، فأتيت حائطًا فأخذت سنبلاً ففركته وأكلته، وجعلته منه في كسائي فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله ? فأخبرته فقال للرجل: «ما أطعمته إذ كان جائعًا، ولا علمته إذ كان جاهلاً». فأمره فرد إليه ثوبه وأمر له بوسق من طعام أو نصف وسق). رواه ابن ماجة. قال ابن كثير: إسناده صحيح قوي جيد، وله شواهد كثيرة، من ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: سئل رسول الله ? عن الثمر المعلق فقال: «من أصاب منه من ذي حاجة بفيه، غير متخذ خبنة فلا شيء عليه». الحديث.

قوله عز وجل: ? إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) ?.

نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم، كتموا صفة محمد ? الثابتة في كتبهم، لئلا تذهب برياستهم ومآكلهم، والآية عامة في كل من كتم العلم لأجل ذلك ? أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ ?، يعني: إلا ما يؤديهم إلى النار، وهو: الرشوة، والحرام، وثمن الدين، كما قال تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ?. وفي الحديث الصحيح عن النبي ?: «إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون أبلغ بحجته من بعض، فأقضي له بنحوٍ مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فإنما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها أو يدعها». وفي الحديث الآخر: «الذي يشرب في إناء الذهب والفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم».

وقوله تعالى: ? وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ?.

قال ابن كثير: وذلك لأنه تعالى غضبان عليهم، لأنهم كتموا وقد علموا، فاستحقوا الغضب، (فلا ينظر إليهم)، ? وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ?، أي: يثني عليهم ويمدحهم، بل يعذبهم عذابًا أليمًا. ثم ذكر حديث أبي هريرة عن رسول الله ?: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر».

وقوله تعالى: ? أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ?، أي: اعتاضوا عن الهدى بالضلالة، وهي: كتمان ما أنزل الله، واعتاضوا عن المغفرة بالعذاب، وهو ما تعاطوه من أسبابه ? فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ?، قال الحسن، وقتادة: والله ما لهم عليها من صبر، ولكن ما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار.

وقوله تعالى: ? ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ?، أي: إنما استحقوا هذا العذاب الشديد، لأن الله نزل الكتاب بتحقيق الحق، وإبطال الباطل، وهؤلاء اتخذوا آيات الله هزوًا، واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات بغيًا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ? وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ ? فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، ? لَفِي شِقَاقٍ ? خلاف وضلال، ? بَعِيدٍ ?. وبالله التوفيق.

* * *

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير