لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها، قال شعبة فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وإن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.
وهذا الحديث قد رواه النسائي في سننه الكبرى قال:
جزء 4 - صفحة 271
7148 –
أخبرنا إسماعيل بن مسعود الجحدري قال ثنا خالد بن الحارث قال ثنا بن عون عن محمد قال نبئت عن بن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت فقال زيد كنا نقرأ الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فقال مروان لا تجعله في المصحف قال فقال ألا ترى إن الشابين الثيبين يرجمان ذكرنا ذلك وفينا عمر فقال أنا أشفيكم قلنا وكيف ذلك قال أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله فاذكر كذا وكذا فإذا ذكر أية الرجم فأقول يا رسول الله أكتبني آية الرجم قال فأتاه فذكر ذلك له فذكر آية الرجم فقال يا رسول الله أكتبنيآية الرجم قال لا أستطيع
وقد رواه البيهقي في سننه الكبرى كذلك ... سنن البيهقي الكبرى جزء 8 - صفحة 211
ورأينا أن هذه الرواية تأتي مؤيدة لما قاله الإمام أبو جعفر النحاس من أن آية الرجم أو الشيخ والشيخة إنما هي من السنن والأحكام لا من القرءان الذي نقلته الجماعة عن الجماعة.
وننقل هنا ما كتبه الشيخ "شعيب الأرناؤوط" في تعليقه على هذا الحديث من تعليقاته على مسند الإمام
قال:
(وقول زيد: لا، ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان.
قال الشيخ الفاضل محمد الصادق إبراهيم عرجون رحمه الله في كتابه (محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) 4/ 119
"وهذا يفيد أن زيد بن ثابت لم يتحقق عنده أن ما سمعه من رسول الله صلى اله عليه وسلم من قول "الشيخ والشيخة" قرءان تجب كتابته في المصحف، ولهذا جاء ردُّه على مروان بأن هذا الكلام الذي يُزْعَم أنه قرءان لا يتفق معناه مع واقع التشريع المجمع عليه في حد الثيب سواء أكان شاباً أم شيخاً.
فتخصيص الرجم بالشيخ والشيخة لا وجه له، وهذا يخرجه من كونه قرءاناً تجب كتابته في المصحف.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بعد أن قال له: أكتبني آية الرجم، "لا أستطيع" يشبه أن يكون قاطعاً في أن ما يُزعم من قولهم "الشيخ والشيخة" قرءان نزل ثم نسخ، كلام لا يعتمد فيه على شبه دليل، لأن قول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أكتبني أو اكتب لي، ومعناهما: ائذن لي أن أكتبها.
وهذا بالقطع قبل أن تنسخ، لأنه لا يعقل من عمر ولا من غيره أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن له في كتابة ما نسخ.
وإذا كان هذا الطلب من عمر قبل النسخ، فلماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أستطيع".
وفي رواية كأنه كره ذلك.
ويستفاد من هذا الحديث أن هذا الكلام "الشيخ والشيخة" ليس بقرءان منزل من عند الله، لأن إجماع الأمة على العمل بخلافه.
قال الإمام البخاري في صحيحه في الحدود باب الاعتراف بالزنى .. حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس رضي الله عنهما قال قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف قال سفيان كذا حفظت ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.
قلنا (الأرناؤوط): قال ابن حجر في الفتح 12/ 143 وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية جعفر الفريابي عن علي بن عبد الله شيخ البخاري فيه فقال بعد قوله أو الاعتراف وقد قرأناها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فسقط من رواية البخاري من قوله وقرأ إلى قوله البتة ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا.
فقد أخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان كرواية جعفر ثم قال: لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث الشيخ والشيخة غير سفيان وينبغي أن يكون وهم في ذلك. قال الحافظ: وقد أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن كيسان وعقيل وغيرهم من الحفاظ عن الزهري فلم يذكروها.
قال الأرناؤوط: هذا وقد قال قوم من أهل العلم فيما نقله عنهم الإمام أبو بكر الباقلاني في (الانتصار) بأن آيات القرآن لا تثبت إلا بالتواتر، فهذا الحديث وأمثاله مما قيل فيه: إنه كان قرآنا ثم نسخ هي أخبار آحاد ليست مشهورة فضلا عن أن تكون متواترة. ولا يقطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
وقال العلامة الصادق عرجون تعليقاً على رواية البخاري السالفة: فهذا الحديث وهو من أعلى وأرفع الأسانيد لم يذكر فيه "الشيخ والشيخة" ومعناه كله منصب في إثبات حد الرجم للمحصن، وهو أمر مجمع عليه من الأمة سلفها وخلفها، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا طوائف من الخوارج والمعتزلة، فإنهم أنكروا حد الرجم، وقالوا: لم يكن الرجم في كتاب الله.
وقول عمر رضي الله عنه: "فبضل بترك فريضة أنزلها الله"، يحتمل أن المراد من إنزال الله إياها وحيه بها إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحياً غير قرآني، فتكون فريضة الرجم ثابتة بوحي السنة، ويدل لذلك قول عمر رضي الله عنه: " ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن" بل يجب حمل كلام عمر على هذا الوجه السديد.
وهذه الحقيقة للرجم لا يلزم أن تكون ثابتة بنص قرآني، بل يكفي فيها أن تكون ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح، كما يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه)
وفي قول عمر رضي الله عنه: "ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده" ما يقوي ما ذهبنا إليه من فهم قوله "فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله" لأن معناه فيضلوا بترك فريضة أوحى بها الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بضربٍ من ضروب الوحي غير القرآني.
فقام صلى الله عليه وسلم بتنفيذ ما أوحى به الله من حد الرجم، واتبعه من بعد الراشدون، والمتقون من ولاة أمر أمته صلى الله عليه وسلم.
إنتهى من تعليق الشيخ شعيب الأرناؤوط على المسند حديث رقم 21596
يتبع إن شاء الله ....
.....
¥