قال ابن عباس: لما نزلت: ? وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ?، و ? إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ?، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله r فأنزل الله: ? وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ?، رواه ابن جرير وغيره. وقال الربيع: للولي الذي يلي أمرهم فلا بأس عليه في ركوب الدابة أو شرب اللبن أو يخدمه الخادم، وقال السدي: كان العرب يشددون في اليتيم، حتى لا يأكلوا معه في قصعة واحدة، ولا يركبوا له بعيرًا، ولا يستخدموا له خادمًا، فجاءوا إلى النبي r فسألوه عنه فقال: ? قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ?، يصلح له ماله وأمره له خير، وأن يخالطه فيأكل معه ويطعمه، ويركب راحلته ويحمله، ويستخدم خادمه ويخدمه، فهو أجود.
? وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ?، فقال ابن زيد: والله يعلم حين تخلط مالك بماله، أتريد أن تصلح ماله أو تفسده فتأكله بغير حق.
وقوله تعالى: ?وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ ?، قال ابن عباس: لأخرجكم فضيّق عليكم ولكنه وسّع ويسّر، فقال: ? وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ?.
وقوله تعالى: ?إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ?، أي: عزيز في سلطانه، حكيم فيما صنع من تدبيره وترك الأعنات.
قال ابن كثير: وقوله ? وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? أي: ولو شاء الله لضيَّق عليكم وأحرجكم، ولكنه وسَّع عليكم وخفف عنكم، وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن. والله أعلم.
قوله عز وجل: ? وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) ?.
قال علي بن أبي طلحة في قوله: ? وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ?: استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب.
وقوله تعالى: ? وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ?، قال السدي: نزلت في عبد الله بن رواحة، كانت له أمة سوداء فغضب عليها فلطمها، ثم فزع فأتى رسول الله r فأخبره خبرهما، فقال له: «ما هي»؟ قال: تصوم وتصلي وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله r ، فقال: «يا عبد الله هذه مؤمنة»، فقال: والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها، ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمته، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل الله: ? وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ?.
وقوله تعالى: ?وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ ?.
قال البغوي: هذا إجماع لا يجوز للمسلمة أن تنكح المشرك.
وقوله تعالى: ?أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ?، أي: معاشرتهم ومخالطتهم تبعث على إيثار الدنيا على الآخرة، وهو موجب للنار. ? وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ?، أي: بأمره، ? وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ?، وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي r : « تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
¥