وقوله: {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} ذات أي صاحبة، والأكمام جمع كم بكسر الكاف، وهو ما يظهر من النخلة في ابتداء إثمارها، شبه اللسان ثم ينفخ عن النور، وقيل: هو ليفها، واختار ابن جرير شموله للأمرين.
وقوله: {وَالْحَبُّ} كالقمح ونحوه. وقوله: {ذُو الْعَصْفِ}، قال أكثر العلماء: {الْعَصْفِ} ورق الزرع، ومنه قوله تعالى: {فجعلهم كعصف ماكول} وقيل {الْعَصْفِ}: التبن.
وقوله: {وَالرَّيْحَانُ} , اختلف العلماء في معناه، فقال بعض أهل العلم: هو كل ما طاب ريحه من النبت وصار يشم للتمتع بريحه. وقال بعض العلماء {الرَّيْحَانُ}: الرزق، ومنه قول النجم بن تولب العكلي:
فروح الإله وريحانه ورحمته وسماء درر
غمام ينزل رزق العباد فأحيا البلاد وطاب الشجر
ويتعين كون {الرَّيْحَانُ} بمعنى الرزق على قراءة حمزة والكسائي، وأما على قراءة غيرهما فهو محتمل للأمرين المذكورين.
وإيضاح ذلك أن هذه الآية قرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} بضم الباء والذال والنون من الكلمات الثلاث، وهو عطف على {فَاكِهَةٌ} أي فيها فاكهة، وفيها الحب إلخ.
وقرأه ابن عامر: "وَالْحَبَّ ذُا الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانَ"، بفتح الباء والذال والنون من الكلمات الثلاث، وفي رسم المصحف الشامي "ذُا الْعَصْفِ" بألف بعد الذال، مكان الواو، والمعنى على قراءته: وخلق الحب ذا العصف والريحان، وعلى هاتين القراءتين، فالريحان محتمل لكلا المعنيين المذكورين.
وقراءة حمزة والكسائي بضم الباء في الحب وضم الذال في ذو العصف وكسر نون الريحان عطفا على العصف، وعلى هذا فالريحان لا يحتمل المشموم لأن الحب الذي هو القمح ونحوه صاحب عصف وهو الورق أو التبن وليس صاحب مشموم طيب ريح.
فيتعين على هذه القراءة أن المراد بالعصف ما تأكله الأنعام من ورق وتبن، والمراد بالريحان ما يأكله الناس من نفس الحب، فالآية على هذا المعنى كقوله: {مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:33] , وقوله تعالى: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ} [السجدة:27] , وقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى, كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} [طه:54] , وقوله تعالى: {لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ, يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ} [النحل:10 - 11].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فِيهَا فَاكِهَةٌ} ما ذكره تعالى فيه من الامتنان بالفاكهة التي هي أنواع، جاء موضحا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في سورة لفلاح: {لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون:19] , وقوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس:31] إلى غير ذلك من الآيات.
وما ذكره هنا من الامتنان بالحب جاء موضحا في آيات أخر، كقوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [قّ:9]، وقوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً, وَعِنَباً} [عبس:27 - 28] وقوله تعالى: {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} [يس:33]، وقوله تعالى: {نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً} [الأنعام:99] , وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام:95] إلى غير ذلك من الآيات.
وما ذكره تعالى هنا من الامتنان بالنحل، جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ, رِزْقاً لِلْعِبَادِ} [قّ:10 - 11]، وقوله تعالى: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} [المؤمنون:19]، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وما ذكره هنا من الامتنان بالريحان، على أنه الرزق كما في قراءة حمزة والكسائي، جاء موضحا في آيات كثيرة أيضا كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} [غافر:13] , وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [يونس:31]، وقوله تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} [الملك:21] , وقوله تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [غافر:64]، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
¥