الأول منهما: أن الدهان هو الجلد الأحمر، وعليه فالمعنى أنها تصير وردة متصفة بلون الورد مشابهة للجلد الأحمر في لونه.
والثاني: أن الدهان هو ما يدهن به، وعليه، فالدهان، قيل: هو جمع دهن، وقيل: هو مفرد، لأن العرب تسمى ما يدهن به دهانا، وهو مفرد، ومنه قول امرىء القيس:
كأنهما مزادتا متعجل فريان لما تدهني بدهان
وحقيقة الفرق بين القولين أنه على القول بأن الدهان هو الجلد الأحمر، يكون الله وصف السماء عند انشقاقها يوم القيامة بوصف واحد وهو الحمرة فشبهها بحمرة الورد, وحمرة الأديم الأحمر.
قال بعض أهل العلم: إنها يصل إليها حر النار فتحمر من شدة الحرارة. وقال بعض أهل العلم: أصل السماء حمراء إلا أنها لشدة بعدها وما دونها من الحواجز لم تصل العيون إلى إدراك لونها الأحمر على حقيقته، وأنها يوم القيامة ترى على حقيقة لونها.
وأما على القول بأن الدهان هو ما يدهن به، فإن الله وقد وصف السماء عند انشقاقها بوصفين أحدهما حمرة لونها، والثاني أنها تذوب وتصير مائعة كالدهن.
أما على القول الأول، فلم نعلم آية من كتاب الله تبين هذه الآية، بأن السماء ستحمر يوم القيامة حتى تكون كلون الجلد الأحمر.
وأما على القول الثاني الذي هو أنها تذوب وتصير مائعة، فقد أوضحه الله في غير هذا الموضع وذلك في قوله تعالى في المعارج: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً, وَنَرَاهُ قَرِيباً, يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} [المعارج:8]، والمهل شيء ذائب على كلا القولين سواء قلنا: إنه دردي الزيت وهو عكره، أو قلنا إنه الذائب من حديد أو نحاس أو نحوهما.
وقد أوضح تعالى في الكهف أن المهل شيء ذائب يشبه الماء شديد الحرارة، وذلك في قوله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29].
والقول بأن الوردة تشبيه الفرس الكميت وهو الأحمر لأن حمرته تتلون باختلاف الفصول، فتشتد حمرتها في فصل، وتميل إلى الصفرة في فصل، وإلى الغبرة في فصل.
وأن المراد بالتشبيه كون السماء عند انشقاقها تتلون بألوان مختلفة واضح البعد عن ظاهر الآية، وقول من قال: إنها تذهب وتجيء معناه له شاهد في كتاب الله، وذلك في قوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} [الطور:9]، ولكنه لا يخلو عندي من بعد.
وما ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة من انشقاق السماء يوم القيامة، جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] , وقوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ, وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ} [الحاقة:15 - 16] وقوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان:25] , وقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1]، وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة ق في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [قّ:6].
قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه يوم القيامة لا يسأل إنسا ولا جانا عن ذنبه، وبين هذا المعنى في قوله تعالى في القصص: {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:78].
وقد ذكر جل وعلا في آيات أخر أنه يسأل جميع الناس يوم القيامة الرسل والمرسل إليهم، وذلك في قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:6]، وقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ, عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93].
وقد جاءت آيات من كتاب الله مبينة لوجه الجمع بين هذه الآيات، التي قد يظن غير العالم أن بينها اختلافا.
اعلم أولا: أن للسؤال المنفي في قوله هنا: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ}، وقوله: {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:78] , أخص من السؤال المثبت في قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ, عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، لأن هذه فيها تعميم السؤال في كل عمل، والآيتان قبلها ليس فيهما نفي السؤال إلا عن الذنوب خاصة، وللجمع بين هذه الآيات أوجه معروفة عند العلماء.
¥