تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذكرناها بإيضاح وكثرة في مواضع كثيرة من هذا الكتاب المبارك في سورة البقرة والنحل والحج والجاثية، وغير ذلك من المواضع وأحلنا عليها كثيرا.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ}، لولا حرف تحضيض، ومعناه الطلب بحث وشدة، فالآية تدل على شدة حث الله للكفار وحضه لهم على التصديق بالبعث لظهور برهانه القاطع الذي هو خلقه لهم أولا.

قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}.

قد قدمنا قريبا كلام أهل العلم في همزة الاستفهام المتبوعة بأداة عطف، وذكرنا قبل هذا مرارا، وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} يعني أفرأيتم ما تصبونه من المني في أرحام النساء، فلفظة {مَا} موصولة، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد إلى الصفة محذوف، لأنه منصوب بفعل، والتقدير: أفرأيتم ما تمنونه، والعرب تقول: أمنى النطفة بصيغة الرباعي، يمنيها بضم حرف المضارعة، إذا أراقها في رحم المرأة، ومنه قوله تعالى: {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم:46] ومنى يمنى بصيغة الثلاثي لغة صحيحة, إلا أن القراءة بها شاذة.

وممن قرأ {تُمْنُونَ} بفتح التاء مضارع في الثلاثي المجرد، أبو السمال وابن السميقع، وقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} استفهام تقرير، فإنهم لا بد أن يقولوا: أنتم الخالقون، فيقال لهم: إذا كنا خلقنا هذا الإنسان الخصيم المبين من تلك النطفة التي تمنى في الرحم، فكيف تكذبون بقدرتنا على خلقه مرة أخرى، وأنتم تعلمون أن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من الابتداء، والضمير المنصوب في {تَخْلُقُونَهُ} عائد إلى الموصول أي تخلقون ما تمنونه من النطف علقا، ثم مضغا إلى آخر أطواره.

وهذا الذي تضمنته هذه الآية من البراهين القاطعة على كمال قدرة الله على البعث وغيره، وعلى أنه المعبود وحده، ببيان أطوار خلق الإنسان، جاء موضحا في آيات أخر، وقد قدمنا الكلام على ذلك مستوفي بالآيات القرآنية، وبينا ما يتعلق بكل طور من أطواره من الأحكام الشرعية في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:5].

وذكرنا أطوار خلق الإنسان في سورة الرحمن أيضا في الكلام على قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِِنْسَانَ, عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:3 - 4] وفي غير ذلك من المواضع.

وبينا الآيات الدالة على أطوار خلقه جملة وتفصيلا في الحج.

ذا البرهان الدال على البعث الذي هو خلق الإنسان من نطفة مني تمنى، يجب على كل إنسان النظر فيه، لأن الله جل وعلا وجه صفة الأمر بالنظر فيه إلى مني الإنسان، والأصل في صيغة الأمر على التحقيق الوجوب إلا لدليل صارف عنه، وذلك في قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ, خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:5 - 6]، وقد قدمنا شرحها في أول سورة النحل، وقرأ هذا الحرف نافع، {أَفَرَأَيْتُمْ} بتسهيل الهمزة بعد الراء بين بين.

والرواية المشهورة التي بها الأداء عن ورش عنه إبدال الهمزة ألفا وإشباعها لسكون الياء بعدها.

وقرأ الكسائي: "أَفَرَايْتُمْ" بحذف الهمزة، وقرأه باقي السبعة بتحقيق الهمزة.

وقوله تعالى: "ءَأَنْتُمْ" قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر في إحدى الروايتين بتسهيل الهمزة الثانية، والرواية المشهورة التي بها الأداء عن ورش عن نافع إبدال الثانية ألفا مشبعا مدها لسكون النون بعدها، وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وهشام عن ابن عامر في الرواية الآخرى بتحقيق الهمزتين، وقالون، وأبو عمرو وهشام بألف الإدخال بين الهمزتين والباقون بدونها.

قوله تعالى: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ}.

قرأ هذا الحرف عامة القراء السبعة غير ابن كثير, {قَدَّرْنَا} بتشديد الدال، وقرأه ابن كثير بتخفيفها، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية الكريمة قد يكون فيها وجهان أو أكثر من التفسير، ويكون كل ذلك صحيحا، وكله يشهد له قرآن، فنذكر الجميع وأدلته من القرآن، ومن ذلك هذه الآية الكريمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير