تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[ابو فراس المهندس]ــــــــ[15 - 06 - 10, 09:47 م]ـ

الآية 1

القول فيه نظير القول في أمثاله من الحروف المقطعة الواقعة في أوائل السور. فهو حرف من حروف التهجّي وقد رسموه في المصحف بصورة حرف القاف التي يُتَهجى بها في المكتب، وأجمعوا على أن النطق بها باسم الحَرف المعروف، أي ينْطِقون بقاففٍ بعدها ألف، بعده فاء.

وقد أجمع من يعتدّ به من القراء على النطق به ساكِنَ الآخِر سكون هجاء في الوصل والوقِف.

ووقع في رواية بعض القصاصين المكذوبة عن ابن عباس أن المراد بقوله: (ق (اسم جبل عظيم محيط بالأرض. وفي رواية عنه إنه اسم لكل واحد من جبال سبعة محيطة بالأرضين السبع واحداً وراء واحد كما أن الأرضين السبع أرض وراء أرض. أي فهو اسم جنس انحصرت أفراده في سبعة، وأطالوا في وصف ذلك بما أملاه عليهم الخيال المشفوع بقلة التثبت فيما يروونه للإغراب، وذلك من الأوهام المخلوطة ببعض أقوال قدماء المشرقيين وبسوء فهم البعض في علم جغرافية الأرض وتخيلهم إياها رقاعاً مسطحة ذات تقاسيم يحيط بكل قسم منها ما يفصله عن القسم الآخر من بحار وجبال، وهذا مما ينبغي ترفع العلماء عن الاشتغال بذكره لولا أن كثيراً من المفسرين ذكروه.

ومن العجب أن تفرض هذه الأوهام في تفسير هذا الحرف من القرآن) ألم ((البقرة: 1)، يكفهم أنه مكتوب على صورة حروف التهجّي مثل) آلم ((العنكبوت: 1) و) المص ((الأعراف: 1) و) كهيعص ((مريم: 1) ولو أريد الجبل الموهوم لكتب قاف ثلاثة حروف كما تكتب دَوَالُّ الأشياء مثل عين: اسم الجارحة، وغينش: مصدر غان عليه، فلا يصح أن يدل على هذه الأسماء بحروف التهجّي كما لا يخفى.

.

قَسَم بالقرآن، والقسم به كناية عن التنويه بشأنه لأن القسم لا يكون إلا بعظيم عند المقسِم فكان التعظيم من لوازم القسَم. وأتبع هذا التنويه الكنائي بتنويه صريح بوصف) القرآن (ب) المجيد (فالمجيد المتصف بقوة المجْد. والمجدُ ويقال المجادة: الشرف الكامل وكرم النوع.

وشرف القرآن من بين أنواع الكلام أنه مشتمل على أعلى المعاني النافعة لصلاح الناس فذلك مجده. وأما كمال مجده الذي دلت عليه صيغة المبالغة بوصف مجيد فذلك بأنه يفوق أفضل ما أبلغَه الله للناس من أنواع الكلام الدالّ على مراد الله تعالى إذْ أوْجدَ ألفاظَه وتراكيبه وصورةَ نظمه بقدرته دون واسطة، فإن أكثر الكلام الدال على مراد الله تعالى أوجده الرسل والأنبياء المتكلمون به يعبّرون بكلامهم عما يُلقَى إليهم من الوحي.

ويدخل في كمال مجده أنه يفوق كل كلام أوجده الله تعالى بقدرته على سبيل خرق العادة مثل الكلام الذي كلم الله به موسى عليه السلام بدون واسطة الملائكة، ومثل ما أُوحي به إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) من أقوال الله تعالى المعبر عنه في اصطلاح علمائنا بالحديث القُدُسيّ، فإن القرآن يفوق ذلك كله لمّا جعله الله بأفصح اللغات وجعله معجزاً لبلغاء أهل تلك اللغة عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه. ويفوق كل كلام من ذلك القبيل بوفرة معانيه وعدم انحصارها، وأيضاً بأنه تميز على سائر الكتب الدينية بأنه لا ينسخه كتاب يجيء بعده وما يُنسخ منه إلا شيء قليل ينسخه بعضُه.

وجواب القَسم محذوف لتذهب نفس السامع في تقديره كل طريق ممكن في المقام فيدل عليه ابتداءُ السورة بحرف) ق (المشعر بالنداء على عجزهم عنْ معارضة القرآن بعد تحدّيهم بذلك، أو يدل عليه الإضراب في قوله: (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم).

والتقدير: والقرآننِ المجيد إنك لرسول الله بالحق، كما صرح به في قوله: (يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم ((يس: 1 4). أو يقدر الجواب: إنه لتنزيل من ربّ العالمين، أو نحو ذلك كما صرح به في نحو) حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ((الأحزاب: 1 3) ونحو ذلك. والإضراب الانتقالي يقتضي كلاماً منتقلاً منه والقَسم بدون جواب لا يعتبر كلاماً تاماً فتعين أن يقدِّر السامع جواباً تتم به الفائدة يدل عليه الكلام.

وهذا من إيجاز الحذف وحسَّنه أن الانتقال مشعر بأهمية المنتقل إليه، أي عدِّ عما تريد تقديره من جواب وانتقِلْ إلى بيان سبب إنكارهم الذي حدا بنا إلى القَسَم كقول القائل: دَعْ ذا، وقول امرىء القيس:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير