تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رأيهم) كذبت قبلهم قوم نوح (ليتذكر بمجموع هذا من قدم ذكره بحاله وأمره ونهيه في سورة الفتح، ويتأدب المؤمن بآداب الله ويعلم أن ما أصابه من الخير فإنما هو من فضل ربه وإحسانه، ثم التحمت الآي إلى قوله خاتمة السورة) نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم (الآيات - انتهى.

ولما كان هذا ظاهراً على ما هدى إليه السياق، بنى عليه قوله دلالة أخرى على شمول علمه: (بل) أي أن تكذيبهم ليس لإنكار شيء من مجده ولا لإنكار صدقك الذي هو من مجده بل لأنهم) عجبوا) أي الكفار، وأضمرهم قبل الذكر إشارة إلى أنه إذا ذكر شيئاً خارجاً عن سنن الاستقامة انصرف إليهم، والعجب من تغير النفس لأمر خارج عن العادة.

ولما كان المقام لتخويف من قدم بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو منّ عليه بالإسلام أو غيره، أو لتخويف من أنكر البعث، اقتصر على النذارة فقال: (أن جاءهم منذر (أنذرهم حق الإنذار من عذاب الله عند البعث الذي هو محط الحكمة، وعجب منهم هذا العجب بقوله: (منهم (لأن العادة عندهم وعند جميع الناس أنه إذا كان النذير منهم لم يداخلهم في إنذاره شك بوجه من الوجوه، وهؤلاء خالفوا عادة الناس في تعجبهم من كون النذير - وهو أحدهم - خص بالرسالة دونهم، ولم يدركوا وجه الخصوصية لكونه مثلهم، فكذلك أنكروا رسالته وفضل كتابه بألسنتهم نفاسة وحسداً لأنهم كانوا معترفين بخصائصه التي رفعه الله تعالى عليهم بها قبل الرسالة فحطهم عجبهم ذلك إلى الحضيض من دركات السفه وخفة الأحلام، لأنهم عجبوا أن كان الرسول بشراً وأوجبوا أن يكون الإله حجراً، وعبجوا من أن يعادوا من تراب، وتثبت له الحياة، ولم يعجبوا أن يبتدؤوا من تراب ولم يكن له أصل في الحياة، ولذلك سبب عنه قوله: (فقال) أي بسبب إنذاره بالبعث وعقبه) الكافرون (فأظهر في موضع الإنذار إيذاناً بأنهم لم يخف عليهم شيء من أمره، ولكنهم ستروا تعدياً بمرأى عقولهم الدالة لعى جميع أمره دلالة ظاهرة، وعبر بما دل على النذارة لأنها المقصود الأعظم من هذه السورة، وجميع سياق الحجرات ظاهر فيها: (هذا (أن يكون النذير منا خصص بالرسالة من دوننا، وكون ما أنذر به هو البعث بعد الموت) شيء عجيب) أي بليغ في الخروج عن عادة أشكاله، وقد كذبوا في ذلك، أما من جهة النذير فإن أكثر الرسل من الطوائف الذين أرسلوا إليهم، وقليل منهم من كان غريباً ممن أرسل إليه، وأما من جهة البعث فإن أكثر ما في الكون مثل ذلك من إعادة كل من الملوين بعد ذهابه وإحياء الأرض من بعد موتها وابتداء الإحياء لجميع موات الحيوان وإخراج النبات والأشجار والثمار وغير ذلك مما هو ظاهر جداً.

ولما كان المتعجب منه مجملاً، أوضحه بقوله حكاية عنهم مبالغين في الإنكار، بافتتاح إنكارهم باستفهام إنكاري: (إذا متنا (ففارقت أرواحنا أشباحنا) وكنا تراباً (لا فرق بينه وبين تراب الأرض.

ولما كان العامل في الظرف ما تقديره: نرجع؟ دل عليه

بقوله والإشارة بأداة البعد إلى عظيم استبعادهم: (ذلك) أي الأمر الذي هو في تمييز ترابنا من بقية التراب في غاية البعد، وهو مضمون الخبر برجوعنا) رجع) أي رد إلى ما كنا عليه) بعيد (جداً لأنه لا يمكن تمييز ترابنا من بقية التراب.

ولما كان السياق لإحاطة العلم بما نعلم وما لا نعلم، توقع السامع الجواب عن هذا الجهل، فقال مزيلاً لسببه، مفتتحاً بحرف التوقع: (قد) أي بل نحن على ذلك في غاية القدرة لأنا قد) علمنا (بما لنا من العظمة) ما تنقص الأرض منهم) أي من أجزائهم المتخللة من أبدانهم بعد الموت وقبله، فإنه لو زاد الإنسان بكل طعام يأكله ولم ينقص صار كالجبل بل نحن دائماً في إيجاد وإعدام تلك الأجزاء، وذلك فرع العلم بها كل جزء في وقته الذي كان نقصه فه قل ذلك الجزء أو جل، ولم يكن شيء من ذلك إلا بأعيينا بما لنا من القيومية والخبرة النافذة في البواطن فضلاً عن الظواهر والحفظ، الذي لا يصوب إلى جنابه عي ولا غفلة ولا غير، ولكنه عبر بمن لأن الأرض لا تأكل عجب الذنب، فإنه كالبزر لأجسام بني آدم.

ولما كانت العادة جارةي عند جميع الناس بأن ما كتب حفظ، أجرى الأمر على ما جرت به عوائدهم فقال مشيراً بنون العظمة إلى غناه عن الكتاب: (وعندنا) أي على ما لنا من الجلال الغني عن كل شيء) كتاب) أي جامع لكل شيء) حفيظ) أي بالغ في الحفظ لا يشذ عنه شيء من الأشياء دق أو جل، فكيف يستبعدون على عظمتنا أن لا نقدر على تمييز ترابهم من تراب الأرض ولم يختلط في علمنا شيء من جزء منه بشيء من جزء آخر فضلاً عن أن يختلط شيء منه بشيء آخر من تراب الأرض أو غيرها.

ولما كان التقدير: وهم لا ينكرون ذلك من عظمتنا لأنهم معترفون بأنا خلقنا السماوات والأرض وخلقناهم من تراب وإنا نحن ننزل الماء فينبت النبات، أضرب عنه بقوله: (بل الذين كذبوا بالحق) أي الأمر الثابت الذي لا أثبت منه) لما) أي حين) جاءهم (لما ثار عندهم من أجل تعجبهم من إرسال رسولهم من حظوظ النفوس وغلبهم من الهوى، حسداً منهم من غير تأمل لما قالوه ولا تدبر، ولا نظر فيه ولا تفكر، فلذلك قالوا ما لا يعقل من أن من قدر على إيجاد شيء من العدم وإبدائه لا يقدر على إعادته بعد إعدامه وإفنائه.

ولما تسبب عن انتسابهم في هذا القول الواهي وارتهانهم في عهدته اضطرابهم في الرأي: هل يرجعون فينسبوا إلى الجهل والطيش والسفة والرعونة أم يدومون عليه فيؤدي ذلك مع كفرهم بالذي خلقهم إلى أعظم من ذلك من القتال والقتل، والنسبة إلى الطيش والجهل، قال معبراً عن هذا المعنى: (فهم) أي لأجل مبادرتهم إلى هذا القول السفساف) في أمر مريج) أي مضطرب جداً مختلط، من المرج وهو اختلاط النبت بالأنواع المختلفة، فهم تارة يقولون: سحر، وتارة كهانة، وتارة شعر، وتارة كذب، وتارة غير ذلك، والاضطراب موجب للاختلاف، وذلك أدل دليل على الإبطال كما أن الثبات والخلوص موجب للاتفاق، وذلك أدل دليل على الحقية، قال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم - وكذا قال قتادة، وزاد: والتبس عليهم دينهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير