وأجاب عن ذلك بقوله: لا خلاف في جواز الصيام قبل يوم النحر، وقد ثبت بالسنة امتناع ذبح الهدي قبل يوم النحر، وأحدها: ثابت بالاتفاق، وبدليل قوله تعالى: سورة البقرة الآية 196فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ والآخر: ثابت بالسنة فالاعتراض عليهما بالنظر ساقط.
وأيضا: فإن الصوم مراعى ومنتظر به شيئان: أحدهما: إتمام العمرة والحج في أشهر الحج، والثاني: ألا يجد حتى يحل فإذا وجد المعنيان صح الصوم عن المتعة وإذا عدم أحدهما بطل أن يكون الصوم متعة وصار تطوعا، وأما الهدي فقد رتب عليه أفعال أخر من حلق وقضاء التفث وطواف الزيارة، فلذلك اختص بيوم النحر.
واعترض على ذلك بما قاله الجصاص من أن الله تعالى قال: سورة البقرة الآية 196فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ فلا يجوز تقديمه على الحج.
وأجاب عن ذلك بقوله: لا يخلو قوله تعالى: سورة البقرة الآية 196فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ من أحد معان: إما أن يريد به في الأفعال التي هي عمدة الحج وما سماه
(الجزء رقم: 2، الصفحة رقم: 266)
النبي صلى الله عليه وسلم حجا وهو الوقوف بعرفة؛ لأنه قال: سنن الترمذي الحج (889)، سنن النسائي مناسك الحج (3016)، سنن أبو داود المناسك (1949)، سنن ابن ماجه المناسك (3015)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 335)، سنن الدارمي المناسك (1887).الحج عرفة أو في أشهر الحج؛ لأن الله قال: سورة البقرة الآية 197الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ
وغير جائز أن يكون المراد فعل الحج الذي لا يصح إلا به؛ لأن ذلك إنما هو يوم عرفة بعد الزوال، ويستحيل صوم الثلاثة الأيام منه، ومع ذلك فلا خلاف في جوازه قبل يوم عرفة، فبطل هذا الوجه وبقي من وجوه الاحتمال في إحرام الحج أو في أشهر الحج، وظاهره يقتضي جواز فعله بوجود أيهما كان؛ لمطابقته اللفظ في الآية. وأيضا قوله تعالى: سورة البقرة الآية 196فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ معلوم أن جوازه معلق بوجود سببه لا بوجوبه، فإذا كان هذا المعنى موجودا عند إحرامه للعمرة وجب أن يجزئ ولا يكون ذلك خلاف الآية، كما أن قوله تعالى: سورة النساء الآية 92وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ دال على جواز تقديمها على القتل لوجود الجراحة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: سنن الترمذي الزكاة (632).ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول لم يمنع جواز تعجيلها لوجود سببها وهو النصاب، فكذلك قوله تعالى: سورة البقرة الآية 196فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ غير مانع جواز تعجيله لأجل وجود سببه الذي جاز فعله في الحج.
ثم نقده رحمه الله بقوله: لم نجد بدلا يجوز تقديمه على وقت المبدل عنه ولما كان الصوم بدلا عن الهدي لم يجز تقديمه عليه.
وأجاب عن ذلك بقوله: هذا اعتراض على الآية؛ لأن نص التنزيل قد
(الجزء رقم: 2، الصفحة رقم: 267)
أجاز ذلك في الحج قبل يوم النحر.
وأيضا: فإننا لم نجد ذلك فيما تقدم البدل كله على وقت المبدل عنه، وهاهنا إنما جاز تقديم بعض الصيام على وقت الهدي وهو صوم الثلاثة الأيام والسبعة التي معها غير جائز تقديمها عليها؛ لأنه تعالى قال: سورة البقرة الآية 196وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ فإنما أجيز له من ذلك مقدار ما يحل به يوم النحر إذا لم يجد الهدي، وهدي العمرة يصح إيجابه بعد العمرة ويتعلق به حكم التمتع في باب المنع من الإحلال إلى أن يذبحه. انتهى كلامه.
ونوقش الاستدلال بالآية على أن (ثم) للتراخي فربما يكون الذبح قبل يوم النحر وقضاء التفث فيه).
وأجيب عنه: بأن موجب ثم بالتراخي يتحقق بالتأخير ساعة فلو جاز الذبح قبل يوم النحر جاز قضاء التفث بعده بساعة وليس كذلك.
وأما الأدلة من السنة فكثيرة نكتفي منها بما يأتي:
¥