تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الناس، الناس كلهم مأمورون بالتقوى، لكن أولي الألباب لهم ميزة؛ لما أعطاهم الله من العقل والبصيرة، كما قال جل وعلا في آية أخرى: سورة إبراهيم الآية 52وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ فكلنا مأمورون بالتذكر والتقوى لكن أولي الألباب لهم شأن ولهم ميزة في فهم أوامر الله وتنفيذها، وهكذا قوله تعالى: سورة آل عمران الآية 190إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ فيه آيات للجميع لكل أحد، لكن لا يفهمها ولا يعقلها ولا يقدرها إلا أولو الألباب.

ويقول سبحانه: سورة الحج الآية 27وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ أي: أذن يا إبراهيم وأعلن للناس بالحج، وقد فعل ونادى الناس وأعلن عليه الصلاة والسلام، والدعاة إلى الله ينادون بالحج اقتداء بإبراهيم والأنبياء بعده، وبنبينا عليه الصلاة والسلام. سورة الحج الآية 27يَأْتُوكَ رِجَالًا أي: مشاة.

وقد استنبط بعض الناس من الآية الكريمة أن الماشي أفضل ولكن ليس بظاهر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حج راكبا وهو القدوة والأسوة، عليه الصلاة والسلام، ولكن الراجل يدل على فعله على شدة الرغبة وقوتها في الحج، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون أفضل،

(الجزء رقم: 16، الصفحة رقم: 170)

فمن جاء ماشيا فله أجره والراكب الذي رغب في رحمة الله وإحسانه له أجره وهو أفضل. سورة الحج الآية 27وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ من كل فج، أي: طريق واسع بعيد من المشرق والمغرب ومن كل مكان، يريدون وجه الله والدار الآخرة.

لماذا أتوا؟ سورة الحج الآية 28لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ هذه المنافع أبهمها الله تعالى، ولكنه شرحها في مواضع كثيرة، منها قوله بعد ذلك: سورة الحج الآية 28وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ وكل ما يفعله الحاج من طاعة لله ونفع لعباده مما ذكر ومما لم يذكر كله داخل في المنافع. وهذه من حكم الله في إبهامها، حتى يدخل فيها كل ما يفعله المؤمن والمؤمنة من طاعة لله ونفع لعباده. فالصدقة على الفقير منفعة، وتعليم الجاهل منفعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منفعة، وفي الدعوة إلى الله منافع عظيمة، والصلاة في المسجد الحرام منفعة، والقراءة منفعة، وتعليم العلم منفعة، وكل ما تفعله مما ينفع الناس من قول أو عمل أو صدقة أو غيرها مما شرعه الله أيضا داخل في المنافع.

فينبغي للحاج أن يستغل هذه الفرصة العظيمة ويعمرها بتقوى الله، والحرص على جميع المنافع التي ترضي الله وتنفع

(الجزء رقم: 16، الصفحة رقم: 171)

عباده، فيشتغل بذكر الله في مكة وفي المشاعر وفي جميع الأماكن، ويشتغل بطاعة الله فيما ينفع الناس، إن كان عنده علم، يعلم الناس ويفقه الناس ويدعو إلى الله ويرشد إليه ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كان عنده مال يحسن إلى الناس ويواسي الفقير ويعين على نوائب الحق، ويعمر الوقت بذكر الله وقراءة القرآن، ويعتني بأداء المناسك كما شرعها الله ويتحرى في ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعظم المنافع أن يكون هدفه في جميع الأمور توحيد ربه والإخلاص له ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الهدى.

ومما ينبغي للحاج، أن يتفقه في دينه، ويسأل إذا لم يكن عنده علم، ويحضر حلقات العلم في المسجد الحرام وفي مساجد مكة وفي المسجد النبوي، ويسأل أهل العلم، ويطلب الكتب المفيدة، ويلتمس المنسك الإسلامي الذي ليس فيه ما يخالف الشرع، ويحذر البدع والأقوال المرجوحة، ويتحرى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يكون حجه مبرورا، وحتى تكون رحلته مباركة نافعة له ولغيره، وحتى يستفيد منها بعد ذلك في بلاده.

والحج أحكامه معروفة ومناسكه معلومة لأهل العلم، وقد عرفها الكثير من المسلمين الذين ارتادوا الحج، ولكن الكثير من الناس يجهل الأحكام، فعليه أن يتعلم ويسأل أهل

(الجزء رقم: 16، الصفحة رقم: 172)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير