تأثيرها وثقلها وقبول الناس بها, وهذا شأن العالم الرباني الذي يأسر النفوس بعلمه, وصفاته الحميدة, فلم يكن من الذين يقولون ما لا يفعلون, بل كان رحمه الله من الذين يفعلون ثم يقولون, فكان فعله يسبق قوله, وهذه علامة الصدق مع الله ومع الناس. لقد استطاع الشيخ بما يملك من مقومات الحب أن يحمل الناس على حبه رغما عنهم, فأحبوه من كل قلوبهم, فكان العالم المفتي, والأب المربي, والواعظ المشفق, كل ذلك لما يملكه من صفات عظيمة تستعصي عن الوجود إلا في حالات استثنائية، ربما كحالة الشيخ وأشباهه ممن يندر أن يجود الزمان بمثلهم. فنسأل الله تعالى أن يتغمد الشيخ بواسع رحمته, وأن يرفع درجته في المهديين, وان يجعله في عليين, مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
هيبة ووقار
وبدوره يقول الشيخ عبد العزيز عبد الله الحاج المدرس بمعهد الحرم المكي الشريف: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شيخ يموت بموته خلق كثير، صدق الله إذ يقول: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، وانتقاصها بقبض علمائها الربانين الذين أحسب أن شيخنا العلامة عبد الله بن جبرين تغمده الله بواسع رحمته منهم، وعزاءنا أنه ذهب إلى جوار خير من جوارنا، وما أحسن قول أبي الحسن التهامي يعزي نفسه في ولده لما مات:
جاورت أعدائي وجاور ربه ... شتان بين جواره وجواري
ولقد عرفت شيخنا منذ مدة ليست باليسيرة وكانت أول مقابلة لي به أن زرته في مكتبه إبان عمله في دار الإفتاء وقد والله هبته لجلال طلعته وهيبة جلسته فقد كان يجلس على كرسيه محتبياً جلسة الخاشع المتواضع، ثم يسر الله أن لزمت دروسه الصيفية في الرياض وكانت في الفقه، واذكر أني لم أفهم مسائل الربا إلا منه رحمه الله، فقد كان في دروسه سهل العبارة مقتصراً على حل المسائل من غير تطويل ولا تعقيد، ولا أدل على إمامة شيخنا رحمه الله من تلك الفتاوى التي ملأت الدنيا وأذعن لها الموافق والمخالف لما فيها من فقه للشريعة واضطلاع بمقاصدها ومراعاة للأحوال والمتغيرات فرحم الله شيخنا رحمة واسعة ورفع درجته في المهديين وخلفه في عقبه في الغابرين
http://al-madina.com/node/161519/madina
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[21 - 07 - 09, 09:05 م]ـ
رحم الله العلاّمة بن جبرين
عايض القرني
أحسن الله عزاءَ المسلمين في أحد علمائهم الكبار، وهو الشيخ العلّامة عبدالله بن جبرين -غفر الله له، وأنزله منازل الأبرار- وقد قضّى حياته المباركة في خدمة دينه، والدعوة إلى سبيل ربه، ونشر العلم النافع بصبرٍ لا نظير له، ودأبٍ قلَّ مثيله. وقد عرفتُ الشيخَ عن قربٍ -مُجالسًا، ومستفيدًا، ومحبًّا- فوجدتُ التواضعَ بأسمى صوره، والورعَ في أبهى حُلله، ولم أرَ في حياتي بساطةً كبساطة الشيخ، فهو يرفضُ المديحَ والإطراءَ والتبجيلَ المتكلّفَ، ولا يسمحُ بتقبيلِ رأسه، بل هو يُقبّل رؤوس المشايخ، يجيب الدعوة كائنًا مَن كان الدّاعي ما لم يكن فيها إثم، ويجالس المساكين، ويأكل مع العمّال والفقراء، سليم الطوية، صادق النيّة، عفيف اللسان، طيب القلب، ليّن الكلام، لا يؤذي أحدًا، ولا يحب الضرر لأحدٍ، بل لم أسمع منه، ولا غيري كلمة نابية في حق أحد، فشعاره السماحة، والحلم، والعفو؛ حتّى صار مثالاً حيًّا للعالِمِ، الورعِ، الزاهدِ، المتواضع.
وقد منحه الله الهمّةَ العاليةَ، والصبرَ العظيمَ في نشرِ العلمِ، فكان يطوي المملكةَ مدينةً مدينةً، وقريةً قريةً، وإذا أقام بالرياض صار غالب وقته -في المسجد والبيت- تعليمًا وتوجيهًا وفُتيا، مع إشراقةِ وجهٍ، وحُسنِ بسمةٍ، وحلاوةِ نفسٍ، وعمقِ علمٍ، واستحضارِ دليلٍ، وجودةِ ذاكرةٍ.
وأنت تستمع للشيخ في دروسه وكلماته، تحسّ بالصدق، وتشعر بالإخلاص، وتجد التأصيلَ العلميَّ، مع سلامةِ المنهجِ، واتّباعِ السنّةِ، وتوقيرِ الشريعةِ، وإعزازِ وتكريمِ وتبجيلِ صاحبِ الشريعةِ صلى الله عليه وسلم، وأنت تصاحب الشيخ ابن جبرين تنتقل بك الذاكرة مباشرة إلى حياة السلف، وبساطتهم، وعدم تكلّفهم، وحسن أخلاقهم، فالشيخ أبعد ما يكون عن التكلّف، والتنطّع، والتعمّق، والتشدّق، والتفيهق؛ بل يتكلّم على سجيته، فيعيش بعفويته. قد أراح نفسه من المراسم والطقوس والشكليات، التي تجلب لصاحبها المشقة، والعنت، ونفور الناس، وعدم القابلية.
فالشيخ -رحمه الله- قد انتصر على نفسه، فأسلمت له القياد، وأطاعت واعظ الله، ولبّت دعاء السنة، فنال الشيخ مرتبة الإمامة، والقدوة، كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)،.
غفر الله للشيخ ابن جبرين، وأكرم نزله، وجمعنا به في الفردوس الأعلى، وعوّض الله المسلمين عن فقده، “إنا لله وإنا إليه راجعون”، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.
http://al-madina.com/node/161562/madina
¥