وفي هذا دليل على أن صوت الله لا يُشبه أصوات الخلق لأن صوت الله يُسمع من بُعد كما يُسمع من قُرب، وأنّ الملائكة يُصعقون من صوته، فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا قال: (فلا تجعلوا لله أندادا) فليس لصفة الله ند ولا مثل ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين " ا. هـ
ثم ذكر البخاري بعض الأدلة على هذا
فتعليله عدم المشابهة بكون صوته يُسمع من بُعد وكونه يُصعِق دليل على أنه يثبت الصوت بمعناه المعروف
وإلا فماذا يريد المعطل أكثر من هذا؟!!!
صوتٌ عبّر عن نداء، ويُسمَع، ويُصعِق، فماذا سيكون يا معاشر الأذكياء؟!!
وقال في خلق أفعال:
" وقال ضمرة بن ربيعة عن صدقة سمعت سليمان التيمي يقول:
لو سئلتُ أين الله؟ لقلت في السماء، فإن قال فأين كان عرشُه قبل السماء؟ لقلت على الماء، فإن قال فأين كان عرشه قبل الماء؟ لقلت: لا أعلم
قال أبو عبد الله [البخاري]: وذلك لقوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء يعني إلا بما بيّن " ا. هـ
والأثر واضح، وفيه أن السؤال بأين الله سؤال سائغ لأن الإمام التيمي سأله من عند نفسه لنفسه فلو كان محظورا لما تكلفه تكلفا، وجواب هذا السؤال
سائغ من باب أولى.
وكل هذا عند الإمام البخاري الذي يحتج بالأثر
فقد ساق البخاري هذا الأثر محتجا وأقره إقرارا صريحا والأثر يذكر أين هو الله، بل واعتبر البخاري في تعليقه أن الله قد بيّن هذا في كتابه وأنه من المسائل التي أحطنا بها علما بتبيين الله
ولا يقال عما هو مفوض أنه مبين؟
ولا يوجد مفوض في الدنيا يعرض قضية أين يوجد الله بهذا العرض
ولا بهذا السياق والتسلسل في السؤال عن الأينية والذي يجلي إثبات المعنى
ومحل استدلالنا هو استدلال البخاري بالأثر وإقراره له، أما موقفنا نحن من الأثر أو موقف مخالفنا منه فهو مسالة أخرى.
فليس للمخالف أن يُلبّس على من يقف على كلام البخاري بمحاولة القدح في صحة الأثر عن التيمي أو بالخوض في مفهومه عنده هو (عند المخالف) وإنما عليه إن كان صادقا في جوابه عما استدللنا به هنا أن يجيب عن موقف البخاري الواضح من الأثر.
ـ الإمام محمد بن عيسى الترمذي صاحب السنن ت هـ
ذكر الترمذي حديث أبي هريرة مرفوعا وفيه:
قالوا وهل نراه يا رسول الله قال وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتوارى ثم يطلع فيعرفهم نفسه ثم يقول أنا ربكم فاتبعوني
ثم قال في معناه:
" ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم " ا. هـ
الكلام صريح، تعريفه تعالى نفسه بتجليه للعباد وأن هذا معنى تعريفه لا يستقيم مع دعوى أن التجلي عنده مجهول مفوض، فالمجهول لا يشرح المجهول، ولو كان معناه غير مراد لما قال: " ومعنى ... ".
فالذي ذكره مرادٌ معناه بمنطوق كلام الترمذي فسبحان من تنزه عن الباطل.
وقال الترمذي:
" وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، وفسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وإنما معنى اليد ها هنا النعمة، وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد، أو مثل يد، وسمع كسمع " ا. هـ
فدل كلامه على أمور:
ـ أن هناك تفسيرا لأهل العلم لهذه الصفات الخبرية يخالف خط التعطيل وتيار التعطيل.
ـ أن التفسير بالتأويل كما جاء في كلام الترمذي هو تفسير مخالف لتفسير السلف.
ـ أن إثبات هذه الصفات على ظاهرها وحقيقتها ليس تشبيها، وإنما التشبيه أن تقول له يد كيدي أو سمع كسمعي.
فكما أن سمع الله له معنى نعلمه ونثبته وهو المعنى المعروف المتبادر إلى الذهن ولا يلزم من هذا تشبيها وخاصة إذا أضفنا أن سمع الله أكمل من سمع المخلوق وأنه سمع غير حادث ولا يعتريه نقص.
مع أن سمع الله إدراك حقيقي لذات الأصوات وكذلك سمع المخلوق، فهذا الاشتراك في المعنى العام للسمع لا يوجب تشبيها مادمنا نفرق بينهما من جهة ما تقدم من الكمال
فكذلك اليد، فلماذا نتصور التشبيه من مجرد إثبات المعنى العام لليد وقد قرنهما إسحاق في أمثلته ليبين ما ذكرتُ فلماذا التفريق بينها وبين صفة السمع بالباطل.
¥