ولما كنا في الفصل جاء أستاذ مادة التاريخ
فأخبرته عن رد يحيى وكان الأستاذ غير معجب بترجمة الشيخ زين
ومع ذلك قال "إن يحى مثل الأم التي ولدت ابنا وصارت تنصح السروء في مخاضها"
ثم بدأ يناقش الأخطاء الواقعة في ترجمة الشيخ زين
وبدأت أجيب عليه
فاشتد الحوار حتى غضب علي غضبا شديدا فسكت
واشتهر موقفي من ترجمته بين الأساتذة
حتى توجهت نحوي بعض الرماح ولقد أخبرني بعض أصدقائي
أن المدير قال في فصلهم عن الشيخ زين "بأنه معتزلي" ولكنه كذب وافتراء
وسألت خليل الرحمن عن رأي مديرنا في هذه الترجمة قال "لا أدري وسننظر"
وذهبت يوما إلى دار الكتب لأتكلم مع صاحبها وكان مقلدا للشيخ زين
وحينها أخذني الشيطان وتكلمت تلك الكلمة الخاطئة التي بنيت عليها تلك المفتريات
وزيدت فيها مالم أقلها وختمت بها حياتي في المعهد
وكنت أتكلم معه ما جرى بيني وبين أستاذ مادة التاريخ
والله لا أدري ما حدث لي ولعل الأهوال التي كانت حولي تلك الأيام هي التي تسببت
فقلت وأنا أحاوره
"إن الأستاذ قد أخرجني من الفصل لما غضب علي"
كذب صريح واضح على أستاذ
فحين خرجت من عنده اسودت نفسي وأخذتني قشعريرة
فحزنت على هذا الكذب بل الافتراء
فكتبت رسالة إلى ذلك الأستاذ أطلب فيها العفو عني
لكل ما بدر مني من أخطاء تجاهه ولكن ما أفصحت الأمر
ولكني طلبت العفو منه واستغفرت ربي
ولكن ...
يوما دعاني الأستاذ خليل الرحمن حفظه الله إلى مكتب الأساتذة
فسألني "هل قلت لصاحب دار الكتب أن أستاذ ..... أخرجك من الفصل"
اسود النهار حولي وكدت أن أسقط من الهول من ذلك السؤال
وجاءني الشيطان فأمرني بالكذب مرة أخرى فقلت "لا"
فكرر السؤال مع الإنذار فكررت "لا"
ليتني قلت "نعم" ليتني لم أقل "لا"
فأنساني الشيطان قول الله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"
ثم سألني "هل قلت إن المدير رمى الشيخ زينا بالاعتزال"
فعجبت من هذا السؤال والاستفسار
لأن القائل غيري وأنا كنت من السامعين فشعرت بنسج مكيدة
فقلت "لا"
فسلم علي وخرجت من عنده
ولم أكن أتفكر أن الأمور تبلغ هذا المبلغ
وفي اليوم التالي دعيت إلى مكتب المدير الذي في الطابق الرابع
رقيت إليه وأنا أسمع نبضات قلبي
سلمت على المدير فإذا صاحب دار الكتب جالس على كرسي
والأستاذ خليل الرحمن على كرسي وأستاذ مادة التاريخ على كرسي
والمدير على كرسيه
و بدأ المدير بنصيحة وإخلاص ولكن انتهت بها قصتي بمكيدة وخلاص
فقال " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"
وقال " النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا"
وحين قال تلك الكلمات طردت شيطاني وعزمت على الصدق
حتى لا أكتب عند الله كذابا
فسألني "هل قلت لصاحب دار الكتب أن أستاذ ... أخرجك من الفصل؟ "
فقلت "نعم" فقال "هل أخرجك حقا؟ "
فقلت "لا كذبت عليه"
قال "خلاص انتهى الأمر"
فبدأ ذاك الأستاذ يبكي أمام المدير وبدأ يمسح هموعه بالمنديل
فحينها علمت بالمكيدة والله لو كنت في مكانه وكان في مكاني
لقلت له "يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"
ونصحت له وعانقته وعلمته ما يجهل حتى لا يضيع مستقبله
ولا تفقد الأمة طالب علم يرشدها ويعلمها
ثم سألني المدير "هل قلت أني انتقدت الشيخ زينا بالاعتزال؟ "
فقلت "لا" فقال"كيف أصدقك وقد كذبت من قبل" فسكت
فقال للأستاذ خليل الرحمن "مر زملاءه فليأتوا"
فعجبت كيف يدعوهم المدير ولا علاقة لهم بمشكلتنا
فجاءوا كلهم إلى المكتب وسلموا عليهم
فسألهم المدير "هل قال مجاهد أني انتقدت زين العابدين بالاعتزال"
فقالوا "نعم" وقال أحدهم الذي كنت أعده صديقا وافيا لي "نعم والله وبالله وتالله"
فشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كاذبين
فقال المدير وهو غاضب "اخرجوا من عندي"
فخرجنا ونزلت ودخلت مسجد ربي وخررت إلى السجود
¥