تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثالثًا: متى كان إمامًا، أو مؤذنًا رسميًّا في أحد المساجد فليس له السفر لأجل الدعوة إلا بإذن الوزارة، وبعد أن يُكلف غيره بالإمامة فيُنيب من فيه الأهلية والأمانة، ومن يرضاه جماعة المسجد، ومن يثق بأنه سوف يقوم بالواجب فإذا فعل ذلك جاز له أن يُسافر للدعوة في هذه المُدة وله أجرٌ على قدر نيته.

ورابعًا: إذا كان يترتب على سفره إهمال أولاده وأهله وإضاعتهم وتعريضهم للفساد، أو ترك القيام بما يجب لهم عليه من النفقة ونحو ذلك فمثل هذا لا يجوز له أن يُسافر حتى يُوكّل على أهله من يُنفق عليهم ويقضي حاجاتهم مُدة غيبته ويتفقد أحوالهم، ويُتابع الأولاد ذكورًا وإناثًا، ويقوم برعايتهم وتأديبهم وتوجيههم والحرص على مصلحتهم، فمتى وجد من يقوم مقامه جاز له السفر لأجل الدعوة، وإلا فرعاية أولاده أوجب عليه.

وخامسًا: يجوز لمن يُسافر للدعوة أن ينوي مع السفر للدعوة السياحة في الأرض والاطلاع على البلاد والاعتبار بما فيها من العجائب والآثار، فإن في ذلك موعظة وذكرى وآيات بينات، ولذلك يأمر الله تعالى بالسير في الأرض كما قال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ونحوها من الآيات.

وأما القدر الكافي من العلم الشرعي لمن أراد السفر للدعوة فليس له حد محدود، فكل من علم حكمًا من الأحكام ورأى كثيرًا من الناس يجهلونه فعليه أن يُعلمهم، ودليل ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: بلغوا عني ولو آية أي: من حمل آية من القرآن وعرف معناها فعليه أن يُعلمها لمن يجهلها، ويدعو إلى العمل بها، وقد توعد الله على كتمان العلم في قوله تعالى: وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وفي قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتبليغ سُنته كما في قوله: ليُبلغ الشاهد منكم الغائب وقوله: نضَّر الله امرأً سمع منا حديثًا فوعاه وأداه كما سمعه.

ويُشترط للداعي أن يكون مُتقنًا لهذا الفن ولهذه المسائل التي يدعو إليها، فإذا عرف حكم ترك الصلاة بيَّنه ودعا إلى المواظبة عليها، ومتى عرف حكم التخلف عن صلاة الجماعة ورأى من يتساهل بها لزمه أن يُعلمه، وأن يستدل على ما يقول، وكذلك إذا علم تحريم الدُخان، أو تحريم الخمر، أو تحريم الأغاني، أو تحريم الزنا، أو نحوه، وعرف الأدلة المُقنعة فليس له السكوت وهو يرى من يتظاهر بهذه المعاصي، وهكذا إذا عرف شيئًا من أمور العقيدة، فإذا عرف فضائل الصحابة ورأى من يتنقصهم، أو رأى من يُخالف ما عليه أهل السُنة في أمر الصحابة لم يسعه أن يسكت بل يتكلم بما عنده، وهكذا إذا علم تحريم الشرك ووسائله ودعاء الأموات من دون الله، وعرف أن هناك من يتوسل بالأموات، ويدعوهم مع الله فلا يسعه السكوت، وهكذا لو عرف من أمر العقيدة ووجوب الإيمان بأسماء الله وصفاته وعلم أن هناك من يُجادل في آيات الله، ويُنكر دلالتها على الأسماء والصفات فليس له السكوت على مثل ذلك.

وأما عن ماذا يبدأ به الداعي فمتى كان عالمًا بالأحكام والحلال والحرام وعالمًا بصحة دين الإسلام وبُطلان الأديان الأخرى كالنصرانية واليهودية والبوذية والهندوسية والشيوعية والبعثية ونحوها فإن عليه أن يبدأ بتقرير أمر العقيدة التي هي دين الإسلام، ويدعو إلى معرفة الله ومعرفة حقوقه على عباده، ويدعو إلى الاعتراف بالله تعالى ربًّا وإلهًا ومعبودًا، ويُبين في دعوته وجوب الإخلاص له، ويُبين أن دين الإسلام هو الدين الصحيح، وأن ما سواه من الأديان فإنها منسوخة وباطلة، ويُبرهن بذلك على ما فيها من الاختلاف والتهافت، فيبين أن المُسلمين عندهم القرآن الذي حفظه الله عن التغيير والتبديل، وأما النصارى فأناجيلهم مُتعددة وكل منهم يدَّعي أن الإنجيل الذي عنده هو الذي أُنزل على عيسى مع تخالفها واضطراب ما فيها، مما يدل على أنها مُفتراة ليست هي التي أنزلت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير