تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[طالوت .. درس في الزعامة]

ـ[قيس بن سعد]ــــــــ[06 - 09 - 09, 07:03 م]ـ

[طالوت .. درس في الزعامة]

تجربة قرآنية تاريخية في قضية الزعامة هي قصة طالوت، التي عقَّب القرآن عليها بقوله - سبحانه -: ?تَلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين?َ [البقرة: 252]؛ لنفهمها درساً منهجياً باقياً لأتباع المرسلين.

البداية هي تفسير حقيقة الموت والحياة:

إن الاستعداد للموت أساس الفهم الصحيح والحركة الصحيحة، ولذلك تبدأ الآيات بمعالجة هذا الإحساس بحقيقة أن الحرص على الحياة لا يبقيها، وأن الخوف من الموت لا يمنعه، وهذه هي الحقيقة في المعالجة القرآنية ?أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا? [البقرة: 342]، فقد أماتهم الله وهم حريصون على الحياة، وبعد أن ماتوا وفقدوها أحياهم الله.

وبعد فهم قضية الموت والحياة يكون القتال في سبيل الله أمراً سهلاً ?وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ? [البقرة: 442]

وعندما يكون الاستعداد للموت يكون الاستعداد للبذل سُنَّةً نفسيةً ثابتةً ومعياراً سلوكياً صحيحاً ?مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْصُطُ وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ? [البقرة: 542].

?أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ? [البقرة: 642].

تبدأ الآيات بالتحديد الزمني للتجربة .. (ملأ من بني إسرائيل من بعد موسى)، وهذا التحديد الزمني كان ضرورياً؛ لأن آية الملك ستكون بقية مما ترك آل موسى وآل هارون.

ولكن الأمر يتطلب الاطمئنان إلى مصداقية هذا الطلب ?قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا? [البقرة: 642].

ولكن أصحاب الطلب يثبتون أهميته ?قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا? [البقرة: 642].

وهي إجابة مقنعة؛ فعندما يكون الإخراج من الديار والأبناء لا بد أن يكون القتال.

فلما كتب عليهم القتال بعد مطالبتهم به لم يواصلوا الطريق الواجب ?فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بَالظَّالِمِينَ? [البقرة: 642].

لذلك؛ فإن اختبار الحماسة الظاهرة والاندفاع الفائر في نفوس الجماعات ينبغي أن لا يقف عند الابتلاء الأول؛ فإن أكثر بني إسرائيل هؤلاء قد تولوا بمجرد أن كتب عليهم القتال استجابةً لطلبهم.

?وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً? [البقرة: 742].وكلمة «بعث» تدل على أن نشأة الإمارة في مثل هذا الواقع قضية قدرية خالصة؛ لأن المعايير اللازمة للإمارة غير قائمة في واقع الفراغ، وهذا لا يعني إلا اللجوء إلى الله والاستعانة به في أن يبعث من تجتمع حوله القلوب، بدلاً من الهروب وإسقاط واجب الجماعة والاتجاه نحو العزلة.

كما أن كلمة «بعث» تدل على أن الزعامة في مثل هذه الظروف ارتفاع بمستوى شخصِ مَنْ قدَّرها الله له فوق انحطاط الواقع والخروج به عن سياق الضعف والتخبُّط.

?قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ? [البقرة: 742]. وبمجرد بعث طالوت؛ بدأت مشكلة الصراع على الزعامة.

وقد يتبادر إلى الذهن أنه ما كان لهذه المشكلة أن تظهر في مثل هذه الظروف، ولكن هذه المشكلة تفرض نفسها على كل الظروف، وتلك هي خطورتها، وهو ما يقتضي التعامل معها باعتبار تلك الخطورة. وجميعهم قالوا .. كل واحد منهم قال .. كل واحد منهم كان يتصور أنه أحقُّ بالزعامة.

وفَهْمُ هذه المشكلة هو الذي يحقق التعامل الصحيح معها، وَفْقاً لعدة قواعد:

أولاً: فرض الزعامة بوصفها أمراً واقعاً ?قَالَ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ? [البقرة: 742].

ثانياً: تحقيق القناعة النفسية بالزعامة بعد فرضها.

وترتيب الآية في تفسير المشكلة هو نفسه ترتيب مواجهتها: الفرض، ثم القناعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير