حبيبي وقرة عيني، إن في تقادم السنين وتتابعها وتسارعها عبرة لمن يعتبر، وذكرى لمن ألقى النظر والسمع لها، هي في تقلبها بالمرء حالاً على حالٍ تحْبوه الحكمة، وتوقفه على ما خفي عليه في سِنيِّ حياته الأولى، تُطلعه على اعوجاج مساره، وتوقظه من سبات قراراته، وتنبهه من غفَلاته، كلما وقف والتفت خلفه ورأى كمّاً هائلاً من السنين والأعوام، أطرق إطراق المُعتِبر والمتفكر في مآله، ثم تنهَّد تنهُّدَ من يساقون إلى الموت وهم ينظرون، ولربما تحدرت دمعتان خفيفتان من مقلتيه تحكيان مرارة الحال وشدة الألم، ولعل الخير كل الخير للمرء في أن يصحح ما اعوجّ من الطريق، ويستدرك ما فات من العمر، ويستأنف حياته كما يجب أن تكون ..
الموضوع يا سادة يا كرام يحكي قصتي وما مررتُ به، أضعها بين يديك في حلقاتٍ لست أدري مداها، فلا أستطيع أن أقول هن ثلاثٌ ورابعها الخاتمة، ولا أربعٌ وخامسها الخاتمة، ولا دون هذا ولا أكثر، غير أنني أسير على الخُطى فمتى وصلتُ فقد انتهيت.
إن المقال يحكي تجربتي الشخصية في نقد الرجال والطوائف، يحكي حكاية من تزبّب وهو حِصرَم، ومن دخل الدار من سطحها لا من بابها، ومن أتى الأمور من أدبارها لا من قُبُلِها! ومن أراد قطف الثمرة ولم يهتمّ بالأرض ولا كيف يزرع ..
قصتي مع النقد والمناقشات والمهاترات في الواقع الأرضي وفي الفضاء العنكبوتي، قصة امتدت تفاصيلها إلى ما يزيد على أربعة عشر عاماً، أخذتْ مني ثمرة عمري، وزهرة حياتي، وخُلاصة أنفاسي، أخذت مني شبابي، ذهبَ هدراً بلا فائدةٍ تُذكر، لقد وهبني الله حافظةً جيدة، وحُبّاً للقراءة، ووِّفقتُ في الدراسة على عالمين كبيرين من أهل السنة وهما الشيخ محمد أمان الجامي والشيخ عبدالله الغنيمان، وأنا في بواكير الشباب، فجاءت هذه المعمعةُ وهي النقاش والجدال وفلان وعِلاّن! وهؤلاء وأولئك، لتحملني على ظهرها، ولله من ظَهرٍ ما أطْوله وأشأمَه! سارت بي مدة طويلة وأنا في غاية المرح والفرح، ثم توقفتْ فجأةً وقالت دونك فانزل! فنزلتُ ثم نظرت إلى الوراء، فإذا بها أربعة عشر عاماً، ونظرتُ في الحصيلة فإذا هي جهلٌ مُطبِقٌ بما لا يسع المسلم جهلُه.
صدقني يا عزيزي إنني أكتب لك هذه الأسطر والدموع تتغرغر في عينيّ، كان بالإمكان أن أكون بأحسن من هذا، ولكن قدُر الله نافذ، وما قدّر الرحمن مفعولُ، كان بالإمكان لو سِرْت الهوينا على خطىً ثابتة أن أكون بمشيئة الله في مرتبةٍ من العلم والتقى، ولكن تعجّلتُ وارتكستُ فعرِيتُ من العلم وخلوتُ من التقى.
لقد كرهتُ هذه المناقشات كرْهي للفِش فاش! أتعرفون الفِش فاش؟ لقد فاتكم عِلم الفِش فاش بانشغالكم بالمهاترات فيا لخسارتكم!
أقول: فجأةً وبعد هذا العمر المديد في النقاشات والجدالات على أرض الواقع وفي فضاء المنتديات، جلستُ مع نفسي في حسابٍ مؤلم، فلم أحصِّل من العلم الذي أحببتُه وما أحبّني، وكنت سأتشرّف به ولكنه رفض أن يتشرّف بي، نظرت إلى موقعي من العلم فإذا بي صفْرٌ صغيرٌ على الشمال! فانتفضتُ كما انتفض العصفور بلّلَه القطرُ، وصحْتُ بملْء فمي واثكلياه! واحسرتاه! ذهب العمر فلْتة، ذهبتْ حياتي، طأطأتُ رأسي حزيناً كسيراً تتقاذفني أمواج الألم وتعتصرني الخيبة، إن عنّتْ لي مسألة اتصلتُ بمن هو أصغر مني أسأله وأستفتيه، ولو قُدِّر لي العلم لكان هذا الذي استفتيتهُ من تلاميذي، ليس كِبْراً علم الله ولو كنت متكبّراً ما اتصلت وما استفتيتُ، ولكنني أحكي واقعاً مُرّاً وحقيقةً قاتلة.
فلذلك زهدتُ فيها وكان الخير في هذا الزهد، ومن العجائب والعجائب جمّةٌ أن هناك تلازماً مطّرداً رأيته في نفسي! فإنني كلما توغلتُ في هاتيك النقاشات كلما انصرفتُ عن العلم، والعكس بالعكس فكلما تركتها كلما أقبلتُ على العلم، ولذلك عقدتُ العزمَ وانصرفتُ عنها كلّيّاً، وأقبلتُ إلى المواضيع الأخرى، من المواضيع الأدبية والمقالات الساخرة والقصائد، هذا في عالم المنتديات، وفي واقعي أقبلتُ على قراءة الكتب العلمية الشرعية، وعلى صناعة برامج الحاسب الآلي، والدين ممنوعٌ والرزق على الله!
يتبع >>>>
ـ[أبو عدي القحطاني]ــــــــ[08 - 09 - 09, 04:04 م]ـ
(2)
مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة
خلتي وصحبي
¥