تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أزعم زعم الموقن يا سادة أن في طلب العلم للمتزبِّبين من أمثالي رَدْماً للهوّة وتقريباً كبيراً بين المختلفين، لأن هذا الذي يعترض الآن نتج اعتراضه من عدم فهم الدليل والعِلة، وأنا اعترضتُ نتيجة فهمٍ خاطيءٍ للدليل والعِلة، فنتج عن هذين الاعتراضين فُرْقةٌ أوسع مما بين السماء والأرض، وسِبابٌ وشتائمُ أشد فتكاً من القنابل الفيسفورية، سلوني عنها فلقد مر صاروخٌ منها من فوق رأسي فأخذ معه كل شعرةٍ سوداء وترك لي ما ثقُل ظِلُّه وابْيضَّ لونُه!

ولكن حين نطلب العلم أنا وهذا المعترض، مع أخذ الاعتبار باتحاد العقيدة، فكلُّنا من أهل السنة والجماعة، ومصادر التلقّي متفقة، وربما يكون العلماء هم العلماء، والكتب هي الكتب، فإنه ما من شكٍّ أن كثيراً من الاختلافات ستتلاشى، ولربما يكون هناك اتفاقٌ شامل كامل.

العلم إن امتثلتَه وهبك الله به خيراً كثيراً وستدعو لي فتذكّرني حينذاك!

أنت اليوم ـ أيها المتزبِّب وأنت حصرِم ـ لا يردعك رادعٌ في إطلاق ما شئتَ من الكلمات والأنباز والأوصاف والشتائم، وهذا أمرٌ مشاهَدٌ ومرئيٌّ رأي العين، والسبب في متناول اليد ولا يحتاج إلى كدِّ الذهن وإعمال الفِكْر؛ وهو خلوُّ وِفاضك من العلم، الذي هو أقصر الطرق إلى خشية الله ومخافته {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ}، أما أنت فخشيتُك من الله ضعيفةٌ فلذلك تُلقي بالكلام الذي يهابه العلماء.

وحتى في مجال الرجوع إلى الحق، فلو حاك الحق في صدرك فلعلّك لا تتوب ولا تدّكر ولا ترجع ولا تلقي له بالاً، وما ذاك إلاّ لعدم أهليتك للمعاني العظيمة الكبيرة وهي (الرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل)، لأنك لا تعرف الحق من الباطل بنفسك، فلذلك سيعزِف أبو مُرّة على أوتارِ الصدود لديك، تارةً بأن شيخك اطلع عليه ورأى فساده! وأُخرى بأن خصمك مبطلٌ لا يجري على لسانه الحق! وثالثةً من باب (معاهم معاهم .. عليهم عليهم).

وهذا ما ليس عند طلاب العلم الكبار ولا العلماء في الغالب إلا من شذ، فهم يعرفون الحق بعلاماته وأماراته ودلائله فيرجعون إليه، وحين يرجعون فإنهم يرجعون على بصيرةٍ وهدى، من دليل قاطعٍ وبرهانٍ ساطع، لا تعتورهما الشكوك والظنون، فهم لا يضعون أقدامهم إلا على أرضٍ صلبة.

بالنسبة لي! فلقد صدرتْ مني كلماتٌ وسبابٌ وشتائم وأشياءُ وأشياء! في الزمن الغابر! حين أتذكّرها الآن وأجعل كأن أحداً غيري قالها، فإني أستعظمها وما أستطيع إلا أن أضع يدي فوق رأسي، أوّه أوّه عين الجهل عين الجهل! كيف اسطعْتُ التلفظ بها؟! وما هو المُجيز لمثلها؟! ولو أُوقفتُ بين يدي الله كيف سيكون الجواب عنها؟!

وهي ما بين سبٍّ مقذِع واتهامٍ وقذفٍ وهلمّ جراً وهلم ندامة

إن قلتَ تسرُّعٌ فما أبعدتَ عن الهدف، أو قلت مجازفاتٌ فما زُغتَ عن الصواب، أو قلتَ قِلة مراعاةٍ للوقوف والسؤال يوم القيامة فما قلتَ غير الصواب، فاللهم إني أسألك السِّتر ومغفرة الذنب.

الشيء الغريب يا سادة أنك حين تكون وسْط المعمعة فإنك لا تشعر بحجمها الطبيعي الذي يساوي كوكب ذيل العقرب، أعني حجم السباب والشتائم! بل تراها مثل حبّة البُندق أو تصغر عنها! ولكن حين تبتعد عن تلك المواضيع زمناً ثم تعود فإنك تراها بحجمها الطبيعي، وجرِّب أيها المتزبِّب فإنك على المجرِّب.

أختتم هذه الحلقة بسؤالك المقارنةَ بين حياتين، وانظر لنفسك وامحضها النصيحة، واختر لها ما تحب.

قارِن بين أربعة عشر عاماً قضيتَها بين:

قال الله

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

بين مسائل التوحيد والفقه والأصول والحديث واللغة

وبين أربعة عشر عاماً قضيتَها بين:

لم يقل شيخي هذا الكلام!

وقال شيخك كلاماً أكبر منه!

ولقد زكّاهم الشيخ فلان وفلان!

وقد حكم عليهم الشيخ فلان وعِلاّن!

وهذه التزكية قديمة!

وهذا القول قديمٌ وتراجع عنه!

في أيِّ الحياتين أنت رابح؟!

تذكّر أنك صغيرٌ في العلم يا فتى ..

بورك فيكم أجمعين أكتعين أبصعين

ـ[أبو عدي القحطاني]ــــــــ[08 - 09 - 09, 04:09 م]ـ

(4)

مرحباً بكم يا سادة يا كرام وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة

خلتي وصحبي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير