وقد قدم الخطيب هذا الكلام من الشافعي، وهو يصف الذي يبرع في علم الحديث بقوله: (أن يعاني علم الحديث دونما سواه لأنه علم لا يعلق إلا بمن وقف نفسه عليه، ولم يضم غيره من العلوم إليه).
ثم أخرج الخطيب عقب ذلك العبارتين التاليتين:
قال أبو يوسف القاضي (ت182هـ): (العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك وأنت إذا أعطيته كلك من إعطائه البعض على غرر).
وقال أبو أحمد نصر بن أحمد العياضي الفقيه السمرقندي: (لا ينال هذا العلم إلا من عطل دكانه، وخرب بستانه، وهجر إخوانه، ومات أقرب أهله إليه فلم يشهد جنازته).
قال الدكتور حاتم العوني في (نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية): (فإن كانت هاتان العبارتان حقاً في العلوم جميعها، فهي في علم الحديث أولى أن تقال وأحق. وهذا هو ما قصده الخطيب، عندما ساقها في ذلك السياق.
وللتخصص في كل العلوم معناه، وفي علم الحديث له معناه الخاص به؛ فهو تخصص لا يقبل الانقطاع إلى غيره، مهما طال زمن التفرغ في تحصيله، ومهما ظن طالبه أنه تملا منه وتضلع. لأنه خبرة دقيقة وحاسة لطيفة، لا تدوم إلا مع بقاء الالتصاق بالعلم. وسرعان ما تفسد تلك الخبرة، وتتعطل تلك الحاسة، إذا انقطع الطالب عن العلم فترة يسيرة.
يقول في بيان ذلك عبد الرحمن بن مهدي (ت 198هـ): (إنما مثل صاحب الحديث بمنزلة السمسار، إذا غاب عن السوق خمسة أيام تغير بصره). [ذكره الخطيب في الجامع 1909].
وبلسان أهل عصرنا: إنما مثل صاحب الحديث بمنزلة تاجر العملات، لا يستطيع أن يستفيد ويربح، إلا إذا كان متابعاً لأسواق العملات، دون انقطاع؛ فإذا انقطع يوماً واحداً، أصبح كالجاهل بهذا السوق تماماً؛ وكأنه لم يكن عليماً به يوماً من الأيام! لأنه لا يستطيع أن يشتري أو يبيع، لعدم علمه باختلاف أسعار العملات الذي يتبدل كل ساعة.
ولذلك لم يجعل الإمام أحمد (ت241هـ) لطلب الحديث زمناً ينتهي عنده، ولم يوقت له فترة يجعلها حده؛ عندما سئل: (إلى متى يكتب الرجل الحديث؟) قال: حتى يموت. انتهى كلامه.
وأسأل الله لي ولك الثبات على كل حق والتوفيق إلى كل خير؛ اللهم آمين.)
وشرح الشيخ الفاضل شرح ماتع مع اختصار في بعض مباحثه وتطويل في بعضها .. واضمم إليه شرح أبي معاذ طارق عوض الله فهو شرح متين ..
لتحميل الروض الذي ازدهر ادخل على هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=137934
محبكم/
أبو المهند ..