وقد رأينا أبا الحسن الغزنوي وقد بنى له رباط ببغداد ووقفت عليه قرية فكان يقول يدخل لي في كل سنة ثلاثة آلاف وست مئة دينار فألف ومئتان لي ولأولادي وألف ومئتان لأهل الرباط وألف ومئتان للمجلس فكان يعطي العلماء والقراء والزهاد، ولا يقبل منه أحد حتى إنه أفطر في رمضان عند الوزير أبي القاسم الزينبي فبعث إليه خلعة قبل العيد، وهذه عادتهم فيمن يفطر عندهم فحدثني الحاجب أنه حملها إليه فقال لا أقبل قال فقبحت له هذا وبالغت حتى قبل على مضض وكان يقول عرضت علي خمسة آلاف دينار فدفعتها بهذه الأصابع الخمس وقلت لا حاجة لي فيها،وكان يظن دوام ما هو فيه، فاتفق موت السلطان مسعود فأُحْضِرَ باب الحاكم، ووكل به وأخذت منه القرية، فافتقر، فحدثني محاسن بن حماد قال:
كان بين الغزنوي وبين عبد الرحيم الملقب شيخ الشيوخ وحشة،فلما افتقر الغزنوي بعث معي إليه بمئة دينار، ورقعة بكاراتِ دقيق، فجئت بها إليه، فقال: لا أقبل! فردها عليه، ثم التفت إلي ـ لانبساط كان بيننا ـ فقال لي: أغنني أنت بعشرة دنانير وخمس كارات فالصبيان جياع!!!!
وكان يقول: من الناس من يحب الموت، فمات قريبا، وقد كان يمكنه أن يشتري من دخله قرى.
والحازم من يحفظ ما في يده كما قال سفيان الثوري من كان بيده شيء من المال فليجعله في قرن ثور فإنه زمان من احتاج فيه كان أول ما يبذل دينه
وقد كان صالح ابن الإمام أحمد ابن حنبل تولى القضاء بأصبهان فلما قرئ عهده بكى،وقال: أين عين أبي تراني وعلي السواد؟! ولكن ما توليت حتى ركبني الدين، وكثر العيال.
وكذلك يحكى عن حفص بن غياث وغيره من القضاة.
وقد كان المتوكل يبعث إلى أولاد الإمام أحمد الألوف.
وإنما كان صالح سخيا فالسخي الذي لا يحسب إلا خيرا لا يفي سخاؤه بما يلقى إذا افتقر
واعلم أن الإمساك في حق الكريم جهادٌ؛ لأنه قد ألف الكرم، كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد، فإنما يستعين الكريم على الإمساك بذكر الحاجة إلى الأنذال.
قيل لبعض الحكماء: لم حفظت الفلاسفة المال؟! فقال: لئلا يقفوا مواقف لا تليق بهم!!
قال ابن الجوزي:: وقد رأيت أنا ببغداد من الصوفية من كان له مال ودخل، فكان الخلق يتقربون إلى السلاطين ويطلبون منهم، وهو لا يبالي، فكنت أغبطه على ذلك؛ لأن من احتاج إلى السلاطين يذلونه ويحتقرونه، وربما منعوه، فإن أعطوه أخذوا من دينه أكثر.
قال الرشيد لمالك بن أنس: أتيناك فانتفعنا، وأتينا سفيان بن عيينة فلم ننتفع به.
وكان ابن عيينة يقول: قد كنت أوتيت فهماً في القرآن، فلما أخذت من مال أبي جعفر حرمت ذلك!!
وإن احتاج الإنسان إلى العوام بخلوا فإن أعطوا تضجروا ومنوا.
وقل من رأيناه ينافق أو يرائي أو يتواضع لصاحب دنيا إلا لأجل الدنيا والحاجة تدعو إلى كل محنة.
قال بشر الحافي: لو أن لي دجاجة أعولها خفت أن أكون عشارا على الجسر!!
فينبغي للعاقل ما يجمع همه ليقبل على العلم والعمل بقلب فارغ من الهم وبعد فإذا صدقت نية العبد وقصده رزقه الله تعالى وحفظه من الذل ودخل في قوله تعالى) ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه)). .... انتهى كلامه رحمه الله.
ـ[سعيد العسيري]ــــــــ[11 - 12 - 04, 10:14 م]ـ
جزاك الله كل خير على ماطرحت
وزادك عزيمه وتقوى
ـ[ابو البراء عامر]ــــــــ[14 - 12 - 04, 11:26 م]ـ
بارك الله فيك علىهذة العبارات الفواحة
ـ[سعيد العسيري]ــــــــ[15 - 12 - 04, 02:07 م]ـ
أتمنى من الجميع
قراءة كتاب (صيد الخاطر)
لابن الجوزي
يقال أن علي الطنطاوي قراءه ستين مره!
ـ[أبو العالية]ــــــــ[16 - 08 - 06, 02:43 م]ـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
جزاك الله خيراً يا شيخ عمر؛ فقد أجدت الإنتقاء، وأحسنت الاصطفاء.
رفع ربي قدرك.
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[13 - 08 - 08, 12:07 م]ـ
جزآك الله خيرا
ما أجملها والله من كلمات
شكر الله وبارك فيك