[النفسية المريضة ..]
ـ[أبوعبد الله عادل المغربي]ــــــــ[06 - 01 - 10, 12:35 ص]ـ
[النفسية المريضة ..]
" إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلم مسألة
في الدين يتعلم الوقيعة في الناس فمتى يفلح؟ "
الشيخ أبو أويس مولاي رشيد الإدريسي
تجد النفسية المريضة شغوفة بتتبع الزلات، باحثة عن السقطات، حريصة على تصدر المجالس من أجل تجريح ذوي الهيئات، إذا رأى صاحبها سقطة أو كلمة عوراء هرول إلى إشهارها دونما زمام، وجعلها فاكهة لسانه 1 دون إحكام، مع أن الواجب على العبد أن " يتوجع لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر حتى كأنه هو الذي عثر بها، ولا يشمت به " 2، وأصل هذا راجع إلى سخاء النفس، وسلامة الصدر، وصفاء السريرة التي بها أدرك الأسلاف المكانة العلية، والمنازل الزكية، كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله:" لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صلاة ولا صيام، وإنما أدرك بسخاء النفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة " 3.
فالحذر الحذر من تتبع المثاقب خاصة ما يعرض للدعاة والعلماء وأصحاب المناقب، فإنه سبيل وخيم يحرم بسببه المرء التوفيق، ويحيد عن سواء الطريق ولذا فـ " قول الأئمة الجلة الثقات السادة بعضهم في بعض: مما يجب أن لا يلتفت فيهم إليه، ولا يعرج عليه 4، ومن لم يحفظ من أخبارهم إلا ما بدر من بعضهم في بعض، على الحسد والهفوات، والغضب والشهوات، دون أن يعنى بفضائلهم، ويروي مناقبهم: حرم التوفيق، ودخل الغيبة، وحاد عن الطريق. جعلنا الله وإياك ممن يستمع القول فيتبع أحسنه "5.
ومما امتطاه البعض في هذا المضمار فحصل منهم تهور في إطلاق اللسان بالتهمة، ومجازفة في توزيع الأحكام بالضلال والبدعة: دعوى الانتصار للصواب بصورة لا تشم فيها رائحة العلم والانضباط والسير وفق سنن أولي الألباب، مع أن الغيرة على الحق لا تسوغ العدوان على الفضلاء وذوي السبق، وصدور ذلك ممن صدر من أسبابه شدة التعصب وسوء النظر و من تم " وقع اليأس منهم، إذ التعصب سبب يرسخ العقائد في النفوس، وهو من آفات علماء السوء فإنهم يبالغون في التعصب للحق، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار"6، ففتنوا بالتعصب وسب الخصوم وظنوا أنهم يقدمون خيرا بل " سموه ذبا عن الدين، ونضالا عن المسلمين، وفيه على التحقيق هلاك الخلق ورسوخ البدعة في النفوس "7.
وننبه هنا حتى لا يغتر مغتر: أن شيئا من هذا الاندفاع في وقتنا الحاضر - كما وقع في الزمن الغابر- قد جرى من بعض أهل العلم والفهم فلم يهذبوا حاشية منطقهم 8 .. فبدت الزلة والوهم، وفي حق أمثال هؤلاء الأخيار وذوي المكرمات أقول لك يا طالب العلم النجيب: استفد العلم منهم وتجنب الرعونات، حتى تفلح وتدرك سني المقامات.
قال سليمان بن سالم المالكي رحمه الله: كنا نقرأ على أبي سنان زيد بن سنان الأسدي رحمه الله في مسألة، فتكلم أحدنا ببعض أهل العلم يتنقصه فيها، فنهاه أبو سنان وأسكته ثم قال:" إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلم مسألة في الدين يتعلم الوقيعة في الناس فمتى يفلح؟ " 9.
فاعلم يا رعاك الله أن الهفوة وأدنى ابتداع لا يقدح في التوثيق والإتباع 10 و لا يُِِعترض على هذا بأن أهل العلم في كتب التراجم يذكرون زلات بعض العلماء والفضلاء أو هفواتهم، لأن ذلك ليس لأجل الانتقاص منهم، وإنما ليتمكن الباحث من التمييز بين الرجال وتجنب المغالطة ومعرفة الأوثق والأرجح عند التعارض والمخالفة، يقول الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة علي بن المديني رحمه الله:" ثم ما كل أحد فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوما من الخطايا والخطأ، ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة، أو لهم أوهام يسيرة في سعة علمهم، أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم أو خالفهم، فزن الأشياء بالعدل والورع " 11.
ومنه فما ينبغي أن نعطي للزلات والغلطات أكثر من حجمها فنرتب عليها الأحكام الجاهزة وكثرة المغالطات فهذا من قبيح المنكرات، خاصة في حق أصحاب الأصول الصحيحات فـ " من جعل كل مجتهد في طاعة، أخطأ في بعض الأمور، مذموما معيبا ممقوتا، فهو مخطئ ضال مبتدع " 12.
¥