تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رِسَالةٌ إلى فضيلةِ الشَّيخِ (عبداللطيف هاجس الغامدي) حفظه اللهُ ورَعاهُ وكثَّر أمثاله , أرجو أن تصل إليه.!

ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[15 - 03 - 10, 02:44 ص]ـ

الحمد لله والصلاة والسلامُ على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.

شيخي الفاضل: أحيِّيكَ في صدرِ هذه الرِّسَالةِ بتحيَّةِ الإسلامِ الخالدةِ وقد اجتمعتُ وإيَّاكَ على جفنتهِ الرَّافدة , فسَلامُ الله عليك ورحمته وبركاته.

شيخي الفاضل: قد تتفاجأ أنَّ طلبَتك ومُحبيكَ الذين تتواصلُ معهم وتتبادلون السلامَ والمحبَّة والوداد وتجتمعون في المناسبات والأعيادلم يكن بينهم يوماً من الدهرِ من يُدعى: أبا زيدٍ الشنقيطيَّ.!

ولكنَّ المُفاجأةَ الأعظمَ من ذلك أنَّ هذا المسلمَ (أبا زيدٍ الشنقيطيَّ) يعتبرُ نفسهُ ثمرةً من ثِمارِ بِشْركَ ودُنُوِّكَ للناسِ وتبسُّطِكَ لصغار السنَّ , فلقد مضى ما يقرب من خمس عشرة سنة على المجلِسِ الذي جمعني بكَ , ولا تزالُ حلاوةُ كلامكَ وطلاوتهُ تتنقَّلُ بين المسمع والقلبِ مع أنِّي جالستُ المئاتِ غيرَكَ من مُدرسينَ ودعاةٍ وخُطباءَ لكنَّ سهمكَ في التأثيرِ كانَ الأعْلى , ولذا وجدتُّني مُضطراً إلى أنْ أكتب إليك بعضَ ما هجس في النفس.

أكتُبُ إليكَ وأنا مطمئنُّ النَّفسِ إلى أنَّ هذه الأسطرَ إن لم أنل بها أجراً فلن أتحسَّر عليها , إذْ لا أستفتحُ بها بابَ عطاءٍ مُلِّكتَهُ , ولا أستصبحُ بها ليلَ عتابٍ أسدلتَهُ , بل أبغي تذكيرك بما أنعم اللهُ عليك , والحضَّ على اكتسابِ منتهِ لديك.

وقبل أن أفعل فسأُخبِرُ – باختصارٍ - القارئَ الكريم لرسالتي إليكَ أنَّك تفضَّلتَ على بعضِ طلبة المدارسِ الابتدائية والمتوسطةِ في بعضِ رحلاتهم وجئتهم زائراً وألقيتَ عليهم كلمةً بليغةً مؤثرةً بيِّنةَ الألفاظ قريبةَ المعاني محدودةَ التراكيب , وكان مفعولها في نفسِ أحدهم (أبي زيد الشنقيطي) مفعولاً غيرَ عاديِّ مع أنَّه لم يبلغِ الحلُمَ يومَها , ولا أحسبُ ذلك إلا لشيءٍ وقر في قلبك وكانَ سراً بينك وبين ربِّك , نعم إنَّهُ أمرٌ حدثَ قبل وصولك لملعبنا واستراحتنا , فليت شعري فيم كنتَ تُفكِّر وأنت قادم إلينا.؟ وأيُّ نيَّةٍ هذه التي طويتَ عليها نفسكَ فأثمرت هذا التأثير الذي يأبى الزَّوال.؟

شيخي الفاضل: لقد كانت كلمتُك يومئذٍ مُحمَّلةً بوقودٍ يوقظ النفس من الرقدةِ والسُّبات، ويُهيجُ حُطامَ القلبِ للإزهار والإنباتِ , وتبعثُ الخامل على أخذ الحزم، وتجرِّد مِن سامعها صحيح العزم.

ما كُنت في هذه الكلمة إماماً يأتي عويصَ العلمِ من بينِ نواديه , ويُجيبُ بإسهابٍ وإتقانٍ كُلَّ من يستدنيه ويستفتيه , ولا سجَّاعاً ينثرُ عقودَ الكلامِ ويرصِّعهُ ويبنيه , ولا أعجوبةً يحفظُ غريبَ اللغةِ ويستعذبهُ ويُمليه , ولا شاعراً يُطربُ الشجيَّ ويُسليه , لكنَّكَ على- بساطة الكلمة وضيق وقتها كُنتَ درسَ حياةٍ لمن توسَّط مجلسكَ أو كانَ في بعضِ نواحيه.

علَّمتنا في هذا المجلسِ أنَّ الأطفالَ مشروعُ حياةٍ طوبى لمن استثمر طاقتهُ فيه , وعلَّمتنا أن الداعيةَ كالغيثِ لا يضرُّهُ أين ألقى بضاعتهُ وعرضَها , فما عليك إلا البلاغُ.

علَّمتنا أنَّ قَصْرَ الكلماتِ والخُطبِ والمحاضراتِ على الجوامع الكبيرة وشاشاتِ الفضاءِ ومجالسِ أهل الدُّثور وفي باحاتِ الفلل والقصور وإن كان نافعاً أو سلمَ لصاحبه قلبُهُ من التطلع للمنوعِ , لكنَّهُ ليس أوحد سُبل النفعِ ولا أرجاها , فقد ينفعُ الله بكلمةٍ تُلقى في خيمةٍ مبنيةٍ في غابةِ (رغَدان) والأغلبُ ممن يقطنها صبيةٌ وولدان, وهذا بالفعلِ هو ما كان.

جاءنا رجلٌ يسَمَّى: عبد اللطيف بن هاجس الغامدي , وهو إنسانٌ كما قال الشاعر:

طلقُ المحيَّا كوجهِ الفجرِ صورتهُ ** ولِلهُدى فيه إعلانٌ وإسرارُ

عرَّفنا به الأستاذ وباسطنا وحادثنا بمُستوى عقولنا , فلامس منا الشغاف , ومالت إليه الأنفُسُ فما تعتدلْ , ونزلت بساحتهِ القلوبُ فما ترتحلْ , وشخصت إليه منَّا المُقلْ , و بدأ الشيخُ حديثهُ العذب , واستوطنتْ توجيهاته سويداء القلب , فأرجو ممن يجدهُ أو يعرفه أن يحمل إليه هذه الرسالة التي أبعثها إليه وهي في لفافة المولود من غير تقديم أو تأخير أو تبديل أو تعديل , فخيرُ المشاعر ما كانَ على طبيعته وخِلقتهِ التي فطره الله عليها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير