تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[و أسفاه على زمن المتون]

ـ[مختار الديرة]ــــــــ[28 - 01 - 03, 10:45 م]ـ

السلام عليكم:

بيت القصيد

وا أسفا على زمن المتون

الشيخ محمد عمر دولة

لو قال قائل: ذهب الغرام بالعلم عن دنيا الناس بذهاب:

غرامي صحيح و الرَّجا فيك معضل وحزني و دمعي مُرسل و مُسلسل

وصبريَ عنكم يشهد العقل أنّه ضعيف ومتروكٌ وذُلِّيَ أجمل

ولا حَسَنٌ إلا سماعُ حديثِكم مشافهةً يُملَى عليَّ فأنقل

و أمريَ موقوفٌ عليك وليس لي على أحدٍ إلا عليك المعوَّلُ

ولو قال: فُقدت أصالة العلم لمَّا أن فقد طلاب العلم [قال الناظم رحمه الله تعالى]. لما كان صاحب هذا الكلام بعيداً عن الصواب, أو مستجوباً للعتاب!

إذ إنّ المتون المؤلَّفة في الفنون, ليست كتباً كسائر الكتب, كما أنّ أصحابها ليسوا من عامة الناس, بل هي كُتب عمَّرها مصنفوها بعاطر الأنفاس, و سَطَّرُوها في ساعات الأسحار, ووصلوا فيها عبادة الليل بالنهار, كتبها أخيار وحضرها أبرار كما قال ابن مالك في باب الابتداء في [الألفية] وعنده النووي:

ولا يجوز الابتداء بالنكرة ما لم ُتفِدك (عند زيدٍ نمرة)

و (هل فتى فيكم فما خِلٌّ لنا) و (رجلُ من الكرام عندنا)

كيف و قد تداولها النبلاء وحظيت بإقبال النجباء!

فهي متونٌ حافلةٌ بمكارم الأخلاق, مُؤذِنة بعمارة القلب واعتمال الأشواق, كما نوَّهَ السيوطي بألفية الحديث [في الجمع والإيجاز واتساق]!

فهي متونٌ تصل العبد بربه و تربط العلم بالإيمان, حتى يكون حجة للمرء لا حجة عليه. فقد كان أصحاب المنظومات يلتمسون البركة بالثناء على الله و الصلاة على رسول الله ويرجون لأنفسهم و للناس التذكرة و التبصرة؛ فإن العلم نور وبركة ودين يستمد من رب العالمين, كما قال عبد الله بن إبراهيم الشنقيطي رحمه الله في (مَرَاقِي السعود):

الحمد لله على ما فاضا من الجَدَى الذي دهوراً غاضا

وجعل الفروع والأصولا لمن يروم نيلها محصولا

وشاد ذا الدين بمن ساد الورى فهو المجلِّي والورى إلى ورا

محمد منوّر القلوب وكاشف الكرب لدى الكروب

صلى عليه ربنا وسلما وآله ومن لشرعه انتمى

وقال الشاطبي رحمه الله، في (حرز الأماني ووجه التهاني):

بدأت ببسم الله في النظم أوّلا تبارك رحمانا رحيماً وموئلاً

وثنيت صلى الله ربى على الرِّضا محمد المُهْدَى إلى الناس مُرسَلا

وعترته ثم الصحابة ثم من تلاهم على الإحسان بالخير وُبَّلا

وثلثت أنّ الحمدَ لله دائماً وما ليس مبدوءاً به أجذم العلا

وقد اشتملت هذه المتون العظيمة على تربية الشمائل الكريمة في نفوس دارسيها وحافظيها ولم تكن بحوثاً بحتة ولا دروساً جافةً محضة. كما قال ابن مالك في (الخبر) من (الألفية):

والخبر الجزء المتم الفائدة كـ (الله بَرٌّ والأيادي شاهدة)

وخَبَرَ المحصور قدِّمْ أبداً كـ (مالنا إلا اتباع أحمدا)

وقال في (كان):

وقد تزاد (كان) في حشو كـ (ما كان أصحَّ علمَ من تَقَدَّما)

وقال في (تعدّي الفعل):

والأصل سبق فاعل معنى كـ (مَنْ) مِن (أَلْبِسَنْ من زارنا نسج اليمن)

وقال في (نعم وبئس):

وإن يُقدم مُشعر به كفى كـ (العلمُ نِعْمَ المقَتَنى والمقتَفَى)

ومثل قول الشاطبي في مقدمة [حرز الأماني ووجه التهاني] يُثني على صاحب القرآن:

بنفسي من اسْتَهْدَى إلى الله وحده وكان له القرآن شرباً و مغسلاً

وطابت عليه أرضه فتفتَّقَتْ بكل عبير حين أصبح مُخْضَلاً

فطوبى له والشوق يبعث هَمَّهُ وزند الأسى يهتاج في القلب مُشْعلاً

ويبين وفاءه و تواضعه إذ:

يرى نفسه بالذم أولى لأنها على المجد لم تلعق من الصِّبر والأَلا

وقد قيل: كن كالكلب يُقْصِيه أهله ولا يأتلي في نصحهم متبذّلاً

ومثل قول العمريطي في [الدرة البهية في نظم الأجرومية] في باب الظن:

كقولهم (ظننت زيداً منجداً) (واجعل لنا هذا المكان مسجداً)

وفي النداء:

كـ (يا علي يا غلام بي انطلق) (يا غافلاً عن ذكر ربه أفق)

(يا كاشف البلوى ويا أهل الثنا) و (يا لطيفاً بالعباد الطف بنا)

وما أحسن قوله في (العطف):

كـ (جاء زيد ثم عمرو) و (أكْرِم) زيداً وعمراً باللقا والمطعم

وفئة لم يأكلوا أو يحضروا حتى يفوت أو يزول (المنكر)

ومثل قول ابن دريد في منظومة (المقصور و الممدود):

وأرى (العَشى) في العين أكثر ما يكون من (العَشاءِ)

وأرى (الخَوى) يُذكى عقول ذوي التفكر في (الخَواء)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير