تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المَرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ: ثُمَّ يَحْفَظُ الطَّالِبُ مَا زَادَ على «الكُتُبِ السِّتَّةِ» مِنَ كُتُبِ السُّنَّةِ ابْتِدَاءً بـ «مُوَطَّأ» الإمَامِ مَالِكٍ، و «المُسْنَدِ» للإمَامِ أحمَدَ، ثُمَّ يُعَرِّجُ إلى حِفْظِ غَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ: «المَسَانِيْدِ»، و «المَعَاجِمِ»، و «المُصَنَّفَاتِ»، و «الأجْزَاءِ» وغَيْرِهَا ممَّا هُوَ مِنْ شَأنِ أئِمَّةِ الحَدِيْثِ، وحُفَّاظِ السُّنَّةِ.

ومَنْ نَظَرَ إلى عَامَّةِ حِفْظِ أهْلِ السُّنَّةِ لكُتُبِ السُّنَّةِ يَجِدُ أنَّ الحِفْظَ عِنْدَهُم لا يَنْضَبِطُ في تَحْدِيْدِ كِتَابٍ دُوْنَ آخَرَ، بَلْ كَانَ لهُم هِمَمٌ عَالِيَةٌ وحَافِظَةٌ جَامِعَةٌ ممَّا جَعَلَ بَعْضَهُم يَحْفَظُ ألْفَ ألْفَ حَدِيْثٍ أو يَزِيْدُ!

سَوَاءٌ كَانَتْ بأعْدَادِ أحَادِيْثِهَا أو باخْتِلافِ أسَانِيْدِهَا!

وأيًّا كَانَ الأمْرُ؛ فَإنَّ للقَوْمِ أخْبَارًا وكَوَائِنَ في سُرْعَةِ الحِفْظِ وكَثْرَتِ الجَمْعِ مَا تَحَارُ عِنْدَهُ العُقُوْلُ، وتَعْجَزُ عِندَهُ النُفُوْسُ، لِذَا كَانَ مِنَ الصَّعْبِ أنْ نَضْبِطَ مَحْفُوْظَاتِهِم إلَّا مِنْ خِلالِ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا لتَقْرِيْبِ مَا عِنْدَهُم، والله هُوَ الحَافِظُ وهُوَ المُعِيْنَ.

غَيْرَ أنَّ غَالِبَ حِفْظِ أهْلِ السُّنَّةِ لكُتُبِ السُّنَّةِ مَا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ حِفْظِ «الكُتُبِ السِّتَّةِ»، وبَيْنَ مَا زَادَ عَلَيْهَا مِنْ أحَادِيْثِ أمَّاتِ كُتُبِ السُّنَّةِ، وفي ذَلِكَ فلْيَتَنَافِسِ المُتَنَافِسُوْنَ، لِذَا لا يَصِحُّ بل لا يَسْتَقِيْمُ لأحَدٍ مِنْ أبْنَاءِ عَصْرِنَا ممَّنْ اشْتَغَلَ بدِرَاسَةِ الأحَادِيْثِ أنْ يَتَشَرَّفَ باسْمِ المُحَدِّثِ إلَّا إذَا كَانَ في أقَلِّ أحْوَالِهِ حَافِظًا للكُتُبِ السِّتَّةِ مَتْنًا وسَنَدًا، رِوَايَةً ودِرَايَةً، والله أعْلَمُ.

وأخِيْرًا؛ فَإنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا مِنْ مَحْفُوْظَاتِ أهْلِ الطَّرِيْقَةِ الأوْلى هِيَ المَقْصُوْدَةُ بتَرْجَمَةِ هَذَا البَابِ: حِفْظُ السُّنَّةِ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ!

ومَا يَأتي بَعْدَهَا فَهِي أغْلَبِيَّةٌ يَسَعُهَا بَابُ الاجْتِهَادِ، والله أعْلَمُ.

* * *

وأمَّا الطَّرِيْقَةُ الثَّانِيَةُ: وهِيَ لمَنْ قَلَّ عَزْمُهُ، وكَلَّ حِفْظُهُ، ممَّنْ هُم دُوْنَ أصْحَابِ الطَّرِيْقَةِ الأوْلى، وهَذِهِ الطَّرِيْقَةُ تَأتي على ثَلاثِ مَرَاحِلَ، كَمَا يَلي:

المَرْحَلَةُ الأوْلى: أنْ يَحْفَظَ الطَّالِبُ كُتُبَ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»، ولاسِيَّما كِتَابُ الحَافِظِ عَبْدِ الحَقِّ الإشْبِيْليِّ رحمه الله (582)، الَّذِي اتَّفَقَ أهْلُ العِلْمِ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ على اسْتِحْسَانِ مَنْهَجِهِ، وعلى إتْقَانِ ضَبْطِهِ، وعلى جَوْدَةِ طَرِيْقَتِهِ في جَمْعِهِ بَيْنَ أحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ، كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ.

قَالَ ابنُ نَاصِرِ الدِّيْنِ: «إنَّ عَبْدَ الحَقِّ أحْسَنَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»، وقَالَ الذَّهِبيُّ في «السِّيَرِ» (21/ 199): «عَمِلَ (أيْ عَبْدَ الحَقِّ الإشْبِيْلي) الجَمْعَ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ بِلا إسْنَادٍ على تَرْتِيْبِ مُسْلِمٍ، وأتْقَنَهُ وجَوَّدَهُ».

وبَعْدَ هَذَا؛ فَإنَّ طَالِبَ العِلْمِ أيْضًا لَهُ حَقُّ الخِيَارِ في حِفْظِ مَا يَشَاءُ مِنْ كُتُبِ «الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ»، ولاسِيَّما الكِتَابُ الَّذِي يَعْرِضُهُ أهْلُ العِلْمِ على الطَّالِبِ، سَوَاءُ كَانَ كِتَابَ الشَّيْخِ يَحْيَى اليَحْيَى أو غَيْرَهُ مِنَ الكُتُبِ الجَامِعَةِ بَيْنَ أحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ، فالمسْألَةُ هُنَا وَاسِعَةٌ، غَيْرَ أنَّنا قَدَّمْنَا كِتَابَ الحَافِظِ عَبْدِ الحَقِّ الإشْبِيْليِّ لأنَّ طَرِيْقَتَهُ عِنْدَنَا مَرْضِيَّةٌ ومُجَوَّدَةٌ، ولأنَّ عَامَّةَ أهْلِ العِلْمِ اسْتَحْسَنُوا طَرِيْقَتَهُ وأثْنَوْا عَلَيْهَا، كَمَا مَرَّ مَعَنَا.

* * *

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير