تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا جاء وقتُ الصلاةِ وَجَبَ عليه تعلُّمُ الطهارةِ والصلاةِ, فإذا عاش إلى رمضان وَجَبَ عليه تعلُّمُ الصومِ, فإن كان له مالٌ, وحال عليه الحَوْلُ وجب عليه تعلُّمُ الزكاةِ, وإن جاء وقتُ الحجِّ وهو مستطيعٌ وَجَبَ عليه تعلُّمُ المناسكِ.

وأمَّا التروكُ: فهو بحسب ما يتجدَّد من الأحوالِ, إذ لا يجب على الأعمى تعلُّمُ ما يَحْرُمُ النظرُ إليه, ولا على الأبكم تعلُّمُ ما يَحْرُم من الكلامِ, فإن كان في بلدٍ يُتعاطى فيه شُرب الخمرِ ولُبْسُ الحريرِ, وجب عليه أن يعرفَ تحريمَ ذلك.

وأمَّا الاعتقاداتُ: فيجب علمُهَا بحسبِ الخواطرِ, فإن خَطَرَ له شَكٌّ في المعاني التي تدلُّ عليها كلمتا الشهادةِ, وَجَبَ عليه تعلُّمُ ما يصل به إلى إزالةِ الشكِّ, وإن كان في بلدٍ قد كَثُرَتْ فيه البدعُ, وَجَبَ عليه أن يتلقَّن الحقَّ, كما لو كان تاجرًا في بلدٍ شاع فيه الربا, وجب عليه أن يتعلَّمَ الحذرَ منه. وينبغي أن يتعلَّم الإيمانَ بالبعثِ والجنةِ والنَّارِ ...

فبان بما ذكرنا أن المرادَ بطلبِ العلمِ الذي هو فرضُ عينٍ: ما يتعيَّنُ وجوبُهُ على الشخصِ.

وأما فرضُ الكفايةِ: فهو كلُّ علمٍ لا يُستغنى عنه في قِوَامِ أمورِ الدنيا؛ كالطبِّ: إذ هو ضروريٌّ في حاجةِ بقاء الأبدانِ على الصحةِ, والحسابِ: فإنَّه ضروريٌّ في قسمةِ المواريث والوصايا وغيرها فهذه العلومُ لو خَلا البلدُ عمَّن يقوم بها حَرِجَ أهلُ البلدِ, وإذا قام بها واحدٌ كفى وسقط الفرضُ عن الباقين" (9).

تبيَّن مما سَبَقَ أنَّ من العلمِ ما هو فرضُ عينٍ, وهو ما لا يصحُّ اعتقادُ أحدٍ, ولا عبادتُه إلا به, ومنه ما هو فرضُ كفايةٍ, وهو علمُ ما ليس مفروضًا عليه في الوقتِ, وقد قام به قائمٌ فسقطت فرضيتُه في الوقت عنه


(1) الحديثُ صحَّحه الألبانيُّ في "صحيح سنن ابن ماجة" رقم (183) , واستوفى في "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" طرقه بحثًا واستقراءً وتتبُّعًا, ثم قال: "فالحديثُ بمجموع ذلك صحيحٌ بلا ريب عندي", ثم نقل عن العراقي تصحيحَ بعضِ الأئمة لبعضِ طرقه, ونقل تحسينَ المزي والسيوطي للحديث, ثم قال: "والتحقيق أنه صحيح, والله أعلم".
ثم قال: "اشتهر الحديث في هذه الأزمنة بزيادة "مسلمة", ولا أصل لها ألبتة, وقد نبَّه على ذلك السخاوي فقال: "قد ألحق بعضُ المصنفين بآخر هذا الحديث و"مسلمة", وليس لها ذكرٌ في شيءٍ من طرقه, وإن كان معناها صحيحًا".] انظر: تخريج أحاديث مشكلة الفقر, للألباني, ص48 – 62 [.
(2) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني. تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل (1/ 50).
(3) عند الأحناف أن "الفرض" غير "الواجب", ويوجد في بعض كلام غير الحنفية التفريقُ بين الفرض والواجب, على قلَّةٍ, والجمهور على ترادف اللفظين. ارجع في ذلك: "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي (1/ 139) , و "أصول الفقه" للشيخ محمد أبو النور زهير (1/ 53) , و "الوجيز في أصول الفقه" للدكتور عبد الكريم زيدان ص31, و "الواضح في أصول الفقه" للدكتور محمد سليمان الأشقر (ص24).
(4) مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين الشنقطي (ص12).
(5) الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان (ص36).
(6) الواضح في أصول الفقه للدكتور محمد سليمان الأشقر (ص37).

(7) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (ص5 - 7).
(8) في وجوب هذا النظر نظر.

(9) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي. تحقيق علي حسن عبد الحميد (ص24).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير