(29) الحديث الثاني: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا: " يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا، وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيرا فيقول الممسوخ عقلا: يا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني، ويقول الهالك في الفترة: يا رب لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهده مني، ويقول الهالك صغيرا: لو آتيتني عمرا ما كان من آتيته عمرا بأسعد من عمره مني، فيقول الرب تبارك وتعالى: إني آمركم بأمر فتطيعوني؟ فيقولون: نعم وعزتك، فيقول: اذهبوا فادخلوا النار، فلو دخلوها ما ضرتهم، فيخرج عليهم قوابس يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعا فيقولون: خرجنا يا رب نريد دخولها فخرجت علينا قوابس ظننا أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيأمرهم الثانية، فيرجعون كذلك يقولون مثل قولهم، فيقول الله تبارك وتعالى: قبل أن تخلقوا علمت ما أنتم عاملون وإلى علمي تصيرون، فتأخذهم النار ".
رواه الطبراني في الكبير (20/ رقم 158) والأوسط (رقم 7951) ومسند الشاميين (رقم 2205) وأبو نعيم في الحلية (5/ 127) والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (ص 87) وابن عبد البر في التمهيد (18/ 129) وابن الجوزي في العلل (2/ 441 رقم 1540) من طريق عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس الخولاني عن معاذ به.
وهذا سند واه جدا، عمرو بن واقد متروك كما في ترجمته من التقريب، وبه ضعفه ابن الجوزي فقال: هذا حديث لا يصح، وفي إسناده عمرو بن واقد، قال ابن مسهر: ليس بشيء، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك أهـ، ووافقه الهيثمي في المجمع (7/ 217) والألباني في صحيحته (5/ 605)، وعليه فلا يصلح لتقوية حديث أبي سعيد الخدري، ومن هذا تعرف ما في قول ابن القيم في طريق الهجرتين (ص 655): فهذا وإن كان عمرو بن واقد لا يحتج به فله أصل وشواهد، والأصول تشهد له أهـ والله أعلم.
(30) الحديث الثالث: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا: " يؤتى يوم القيامة بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته، فيقوا الرب تبارك وتعالى لعنق من جهنم – أحسبه قال -: أبرزي، فيقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، فإني رسول نفسي إليكم، ادخلوا هذه، فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب! أتدخلناها ومنها نفرق؟، ومن كتب له السعادة فيمضي فيقتحم فيها مسرعا، قال: فيقول الله: قد عصيتموني، وأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية، قال: فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار ".
رواه البزار (رقم 2177 زوائده) وأبو يعلى في مسنده (رقم 4224) وابن عبد البر في التمهيد (18/ 128) من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد الوارث عن أنس به.
وهذا سند ضعيف، فيه علل متعددة وقد تقدم تخريج طرقه فيما سبق وهي:
أولا: ضعف عبد الوارث كما تقدم في الحديث السادس من الفصل الأول.
ثانيا: ضعف ليث بن أبي سليم، قال في التقريب: اختلط جدا، ولم يتميز حديثه فترك أهـ، ونسبه الهيثمي في المجمع (7/ 216) للتدليس، ورد عليه الألباني في صحيحته (5/ 603): بأنه لم يجد أحدا وصفه بالتدليس أهـ
ثالثا: المخالفة، وهي ما تقدم في الحديث السادس من الفصل الأول من طريق يزيد الرقاشي وعلي بن زيد بن جدعان و قتادة، ورواية مختار بن أبي مختار عن عبد الوارث، وهي مخالفة في المتن والإسناد، فلا يصح من هذا الوجه، وإن صححه الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة (رقم 2468) بل ولا يصلح للتقوية لما علم من أن الشاذ والمنكر في أحد قسميه لا يصلح للاعتبار، كما قال العراقي في ألفيته:
وإن يكن لكذب أو شذا أو قوي الضعف قلم يجبر ذا
وخلاصة هذا الفصل أنه لم يصح فيه شيء مطلقا، بل كل ما ورد فيه غير صالح للتقوية على آحاده إلا الحديث الأول عند بعض العلماء والله أعلم.
¥