قال ابن عبد البر في التمهيد (18/ 130): روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة وثوبان بأسانيد صحيحة من أسانيد الشيوخ، إلا ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة موقوفا ولم يرفعه، بمثل ما ذكرنا سواء، وليس في شيء منها ذكر المولود، وإنما فيها ذكر أربعة كلهم يوم القيامة يدلي بحجته، رجل أصم أبكم، ورجل أحمق، ورجل مات في الفترة، ورجل هرم، فلما لم يكن فيها ذكر المولود، لم نذكرها في هذا الباب ... أهـ.
والعجيب: أن كثيرا ممن أورد أحاديث الامتحان في مسألتنا هذه لم ينتبه لهذه النكتة التي ذكرها ابن عبد البر من عدم ذكر المولود في هذه الأحاديث التي اعتبروها شواهد يقوي بعضها بعضا، حتى فيمن جاء بعد ابن عبد البر ونقل في هذا الباب من كتابه هذا، ومنهم الأئمة الحفاظ كابن القيم القائل في طريق الهجرتين (ص 657): فهذه الأحاديث يشد بعضها بعضا، وتشهد لها أصول الشرع وقواعده أهـ. والله أعلم.
وأما القياس:
فهو أنه ورد من طرق بعضها صحاح، وبعضها حسان، وبعضها ضعاف تعتضد بغيرها أن الله يمتحن يوم القيامة من لم تبلغه الدعوة ممن كان من أهل الفترة، أو كان مجنونا لا يعقل، أو شيخا كبيرا قد خرف، أو كان أصم لا يسمع، فهؤلاء المذكورون في صحاح السنن أنهم يمتحنون مع أن كل واحد منهم لم يكن مكلفا بالإيمان تكليفا يستحق به العقاب أو الثواب، ولم يكن عندهم من العمل الصالح والإيمان الصحيح ما يدخلون به الجنة،وكذلك لم يكن عندهم من مساوي الأعمال ما يعاقبون عليه لعدم قيام الحجة عليهم، ولما كانوا كذلك أعذرهم الله تعالى فامتحنهم يوم القيامة ليتبين ما يصيرون إليه من عقاب أو ثواب، ولا فرق في ذلك بين الطفل الصغير والمجنون والمعتوه والكبير الذي قد خرف، فكلهم غير مكلف في حكم الشرع، فيكون الصغير مثلهم، ويأخذ حكمهم، وما تقدم من الأحاديث وإن كان فيها مقال لكنها تعتضد بهذا الأصل ().
وأما النظر:
فقالوا: إن الجنة جزاء من عمل صالحا، والنار جزاء من عمل سيئا، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة بحيث لا يمكن حصر النصوص الواردة في ذلك، فمن قال بأنهم يدخلون الجنة فقوله تدفعه هذه النصوص وبما ورد من أوجه صحيحة من أنهم في النار، وأما بقولنا فتجتمع النصوص ولا تتعارض، ولهذا كان قول الكبار من أئمة السنة، ولم يحك غيره الأشعري عن أهل السنة وذهب إليه ().
وقالوا: إن القول بتعذيبهم كلهم أو إمكان تعذيبهم كلهم مبني على المشيئة المرجحة بلا سبب، ولا حكمة، ولا رحمة، والقول بأنهم في الجنة مع من آمن وعمل صالحا، مبني على رحمة بلا حكمة، وكل ذلك باطل لا يصح كما عرف من موضعه ().
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[14 - 01 - 05, 05:36 م]ـ
الأخ الشيخ (أبو عبد الباري) وفقه الله
تخريجك طيب ونفيس
ما هي خلاصته؟
أحب من إخواننا الذين يتوسعون في بحث القضايا الفقهية والحديثية أن يلخصوا في النهاية ما توصلوا إليه؛ أنه قد يُفهم عنهم خلاف ما يريدون
ودليل من قال بما رأيتُه راجحا:
أ. عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأربعة يوم القيامة: بالمولود، والمعتوه، ومن مات في الفترة، والشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار: أبرز، ويقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم، ادخلوا هذه، قال: فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب أنى ندخلها ومنها كنا نفر، قال: ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً، قال: فيقول الله تعالى أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار".
رواه أبو يعلى (4224)، وله شواهد كثيرة ذكرها الحافظ ابن كثير في " التفسير " (3/ 29 - 31).
وهو مقتضى التوفيق بين النصوص عندهم
الأخ الشيخ طلال وفقه الله
وجزاك
وثمار بحث هذه المسألة كثيرة، منها:
1. تعلق المسألة بآيات وأحاديث فيحتاج لفهم ما جاء في القرآن والسنة.
2. تثبيت صحة نسبة الأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم من عدمها.
3. معرفة التوفيق بين ما ظاهره التعارض؛ لأن كلها من عند الله.
4. معرفة بعض الأحكام العملية في الدنيا، وخاصة بعد الأمواج الأخيرة! فمثلاً: ما حكم من يوجد من أطفال موتى وأهليهم ليسوا مسلمين؟ هل نصلي عليهم أو نترحم عليهم أو ندفنهم في مقابر المسلمين؟؟ وهي مسألة لها تعلق بمسألتنا؟
5. معرفة حقيقة الجنة وما فيها من نعيم، إذا كانوا من أهل الجنة فلماذا يكونون خدماً؟؟!! وما هي فائدة الغلمان والولدان المخلدين في الجنة إذن؟؟؟
6. معرفة طريقة تحسين وتصحيح الأحاديث من قبَل أئمتنا ووجه ذلك والرد عليه إن وجد.
7. التفريق بين أولاد المشركين وأولاد المسلمين؛ وذلك يُعرف بما وقع الإجماع عليه من مصير أبناء المسلمين والخلاف في أبناء الكافرين، وأثر الوالدين في صلاح وسعادة أولادهم في الدنيا والآخرة.
8. إشغال الوقت بطاعة الله في طلب العلم، فالعلم قال الله وقال رسوله.
9. أنني أدرس السيرة وتعرضنا لوأد الجاهلية فاحتجنا لمعرفة معنى حديث " الموؤودة في النار ".
10. ومن فوائد هذه المسألة: سؤالك لي عن ثمرتها لتُكتب هذه الوجوه العشرة!:)
وفقك الله
¥