ثانيا: الابتعاد عن المعاصي: لأن المعاصي تطفئ نور الحفظ، ومما يؤثر عنهم في ذلك (خوارم المروءة تطفئ نور الحفظ) وقد قال الشيخ سيدي رحمه الله:
ومن كان ذا لوح وهَمٍّ وطاعة ... فلايدنُ للمُستصبيات اللواعب
فما أفسد اللوح والهم والتقوى ... كبيضِ التراقي مشرفات الحقائب
مراضُ العيون النُّجْل، حُوٍّشفاهها ... رقاق الثنايا حالكات الذوائب
وقد ألمح ابن السالم الحسني إلى هذا المعنى في أبياته المشهورة حين قال:
ما حضرة الشيخ ملهى عاشق كلف ... والكُلَى والعُجَى يجمعن في شُدُق
والأصل في هذا قوله تعلى {يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} وقوله {واتقوا الله و يعلمكم الله} ومما شاع وذاع في هذا المقام قول الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
و أخبرني بأن العلم نور ... ونور الله لا يعطى لعاصي
ثالثا: اختيار الأوقات المناسبة للحفظ: وأهم أوقات الحفظ عندهم: هو وقت السحر، لأنه وقت مبارك:تستجاب فيه الدعوات،وتتنزل فيه الرحمات، وقدوري أن الأعمش طلب شخصا وقت السحر، فوجده نائما، فقال ماكنت أظن أن أحدا ينام في هذا الوقت، ومما يؤثر عنهم في الحفظ في هذا الوقت"،من حفظ في السحر حاز الظفر"،وقد جرت العادة قديما أن تكون القراءة في هذا الوقت على ضوء النار بطريقة جماعية، وتستمر إلى مابعد الضحى، ثم تستأنف بعد الظهر، وتستمر إلى صلاة العصر، ثم تستأنف بعد المغرب،وتستمر إلى صلاة العشاء.
رابعا: الكتابة في اللوح: وقد ارتبطت الكتابة في اللوح عند الشناقطة بالحفظ، حتى قال بعضهم إن العلم الذي أخذ عن طريق الكتابة في اللوح يورث صاحبه الورع والخشية، واستدلوا على ذلك بقوله تعلى (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء) ومما يروى في هذا الصدد أن بعض الطلاب درس باب التركة من مختصر خليل، فاستعصى عليه فهم العول والانكسار، فأمره شيخه أن يكتب الباب كله في اللوح، ويقرأه قراءة تدبر، لاقراءة حفظ، فامتثل الطالب أمر شيخه، فانكشف الغطاء بينه وبين مسائل العول والانكسار، وقد مثل اللوح في التراث المحظري قيمة علمية كبيرة، فقد تغنى به الشعراء، ورفع من شانه العلماء،فمن ذلك قول ابن حنبل الحسني:
عم صبحا أفلحت كل فلاح ... فيك يا لوح لم أطع ألف لاح
أنت يا لوح صاحبي وأنيسي ... شفائي من غلتي ولُوَّاحي
وكانوا يعتنون باللوح عناية كبيرة، حتى أجري بعض فقهائهم حكم مس اللوح الذي فيه قرءان على حكم مس المصحف.
خامسا:ترجيع الصوت أثناء التكرار: بطريقة تشبه الترنم، وغالبا ما يستعمل في حفظ الشعر والأراجيز العلمية، وهذا الأسلوب له طرق متعدد تختلف باختلاف البحور الشعرية، ومن فوائد هذه الطريقة أنها تنمي الذوق اللا دبي، و ترفع من مستوى الإحساس بالفروق بين الأجزاء التي يقوم عليها بناء البيت الشعري، وهي أكثر ملائمة لمن أعطي صوتا حسنا، لأن الصوت الحسن يفتح مغلقات النفس ويعين على تثبيت الحفظ، وهي أمكن في حفظ قواعد التجويد وتطبيقها بشكل صحيح، لأن علم التجويد علم تلقيني،وقد ورد في البخاري عن معاوية بن قرة انه قال سمعت عبد الله ابن مغفل المزني يقول لو شئت أن احكي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعلت، سمعته يوم الفتح يقرأ سورة الفتح وهو على ناقته، يقرأ ويرجع، ويفهم من الحديث أنه حفظ السورة وفق ذلك الأداء القائم على الترجيع، و في بعض طرق، (ولولا أن يجتمع الناس علي لحكيت لكم قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
سادسا: كثرة التكرار: وليس لها حد معلوم، لأن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، لكن كلما كثر التكرار كان أنفع، ومن نوادرهم في هذا الباب أن الشيخ أحمد بن العاقل الديماني كان يُدَرِّسُ مختصر خليل وهو يحمل الميرة على جمال له في أقاصي بلاد تنبكتو، فسأله بعض أهل تلك كيف، حفظت المتن والشرح؟ فقالبألف أغباد ومائة تكريرة)) يعني أنه يكرر النص ألف مرة ويراجعه مائة مرة،
¥